ومن ثم فعشرات من الآيات الدالة على الحياة البرزخية لكافة المكلفين ، مؤمنين وكافرين ، إنها تدلنا دلالة قاطعة لا محيد عنها على شمولية الحياة البرزخية دونما استثناء! وسوف نوافيكم بقول فصل حول الحياة البرزخية على أضواءها في محالها حسب دلالاتها وأدلتها.
ثم وفي رجعة ثانية الى الآية (وَلا تَقُولُوا) نهي عن قولة الممات للشهداء ، وطبعا في حقل «مات وفات» ثم لا حياة بعد ما مات أبدا ، ولا يقوله مسلم ، أم لا حياة في البرزخ بين حياتي الأولى والأخرى كما كان يظنه المسلمون فيمن سواهم ولمّا يبين لهم برزخ الحياة ، فهذا من البيان : «لا تقولوا ـ هم ـ أموات» «بل» قولوا «أحياء» وان لم تشعروا تلك الحياة ، وقد يشعركم إياها حالة النوم : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها ...) (٣٩ : ٤٢) (هُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ ...) (٦ : ٦٠).
انهم قتلوا في ظاهر الجسد الدنيوي ، وما يشعركم أنهم ـ كذلك ـ قتلوا في الروح وفي جسد آخر هما غير محسوسان ، فحين يخبرنا ربنا (بَلْ أَحْياءٌ) نصدقه كما نصدق الحياة المحسوسة وأحرى ، حيث الوحي أحرى بالتصديق من الحسن وأقوى.
أجل! «أحياء» أحيا من قسم كثير من الأحياء في البرزخ ، ولذلك لا يغسلون كما يغسل الموتى ، ويكفّنون في ثيابهم التي استشهدوا فيها ، فالغسل تطهير للجسد الميت وهم لا يحكم عليهم ـ بقتلهم ـ حكم الميت ، فثيابهم بعد قتلهم هي ثيابهم قبله! رمزا الى حياة لهم قوية فائقة.
وقد وردت في شأن الشهداء آيات وروايات ، فزاهم يقرنون بالنبيين والصديقين قبل الصالحين : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) (٤ : ٦٩) ومن الشهداء هم القتلى في سبيل الله ، لا سواه.