وقد يقيد الأكل عن حلّه العام بعد طيبا ب (ما رَزَقْناكُمْ) و (مِمَّا غَنِمْتُمْ) : (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً) (٨ : ٦٩) (فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً) (١٦: ١١٤) تقييدا للحل بكونه مما ملكته من مشروعه : (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) (٤ : ٢٩).
إذا فكل مأكول طيّب يحل أكله بغير باطل ، كضابطة عامة ، إلّا ما استثني من حل الأكل مادة او مدة ، كما او كيفا ، فالمشكوك جواز أكله داخل في ضابطة الحل إلّا ما ثبت الحظر عنه بدليل من كتاب أو سنة.
ومن القيود العامة لحل الأكل في آيتنا (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) وكخطوة الإسراف والتبذير فإنهما من الشيطان ، وخطوة التحريم لغير المحظور أكله والتحليل للمحظور أكله ، وكخطوة أصالة الحظر ، مهما اختلفت هذه الدركات في الخطوات ، وعلى أية حال فاتباع خطوات الشيطان هو الانجذاب في قياده ، ان تكونوا سيقة للشيطان فيما يخطوه.
ولأن الخطوة هي ما بين القدمين من المسافة حالة المشي ، فقد تعني خطوات الشيطان وسائله وذرائعه الى بغيته الأخيرة وهي الإشراك بالله والإلحاد في الله ، فليس الشيطان ليورد الإنسان إلى أخيرة المهالك إلّا بخطوات من صغيرة الى كبيرة الى كبرى ، فعند ذلك الطامة الكبرى وكما قال الله :
(إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) ١٦٩.
فالسوء هنا هو ما دون الفحشاء ، كما الفحشاء هنا هي دون (أَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) وبصيغة أخرى الفحشاء هي أقبح انواع السوء ، (وَأَنْ تَقُولُوا) هي أقبح انواع الفحشاء ، فالفحشاء هي المعصية المتجاوزة حدّها إما في نفسها ام الى غير العاصي ، ام تجمعهما ، ثم العقيدة السيئة ، والفاحشة هي أفحش من عملية السوء والفحشاء.