فلنعرف خصوص الحلال مما في الأرض ، الطيب ، حتى يسمح لنا أكله ، فحين نشك في حلّه الخاص لا يحل أكله ، وهذه هي أصالة الحظر ، المطرودة بنصوص كقوله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) (٣ : ٢٩) وقد تنافي ـ أيضا ـ سماحة هذه الشرعة وسهولتها!.
أم إن (مِمَّا فِي الْأَرْضِ) تبعيض لما في الأرض ، فان منه مأكولا ومنه غير مأكول ، ولم يقيد النص (مِمَّا فِي الْأَرْضِ) بالمأكول ، حتى يبعّض بأداته ، فمطلق النص (مِمَّا فِي الْأَرْضِ) يشمل كل ما في الأرض ، ثم «من» تبعّضه بالبعض المأكول.
إذا ف (كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ) سماح عام لأكل كلّ ما يؤكل ، فهل إن (حَلالاً طَيِّباً) هما مفعولان ل (كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ) تقييدا لسماح الأكل؟ فكذلك الأمر! حيث الآية ـ إذا ـ مجملة في الحلّ ، ثم (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) دون قيد الحل ، و (إِنَّما حَرَّمَ ...) الحاصرة الحرمة فيما حصرت مهما كان نسبيّا هما لا تساعدان على أصالة الحظر ، أم إجمال الآية في الحلّ!.
أم انهما حالان ل (مِمَّا فِي الْأَرْضِ) كما ل «كلوا» كلوا أكلا حلالا طيبا ، مما في الأرض حلالا طيبا ، حلّا عاما كضابطة لأصل الجواز ، وطيبا تقييد لذلك الحل كأوّل ما يقيد الأكل والمأكول ، وكما تؤيده (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ ...) إذا في «حلالا» حال لواقع الأكل والمأكول على أية حال ، ثم «طيبا» حال ثان او وصف تقييدي ل «حلالا» يخرجه عن إطلاق الحلّ ، ام إن «طيبا» لها دور «حلالا» بيانا لأصالة الطيب ، ألّا يسمح باستقذار مأكول مما في الأرض إلّا ما ترفضه الطباع الإنسانية ، فتصبح «طيبا» أوسع مجالا مما كان تقييدا ، إذا فيكفي في حلّ المأكول عدم استقذاره نوعيا واقعيا ، لا واستطابته كذلك.