واهتدوا ، ثم مماشاة معهم في استحالة «لا يعقلون ولا يهتدون» ولكن على فرضه ـ وكما هو الواقع الملموس ـ أفتتبعون آباءكم ضد ما أنزل الله حتى إذا لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ، تقليدا جاهلا في أصله وفصله ونسله ، بعيدا عن كل الأعراف في التقليد محبورا ومحظورا(١).
فقد يجوز تقليد من يعلم ويهتدي ، وترك اتباع ما أنزل الله خلاف صارح صارخ للعلم والهدى ، فانه تعالى مصدر العلم والهدى فكيف يعارض فيهما بتقليد أعمى!.
وترى كيف بالإمكان للآباء ـ أيا كانوا ـ انهم (لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) وهم يعقلون أشياء ويهتدون إلى أشياء يحتاجونها في حياتهم؟
«شيئا» هنا هو شيء الحق ، فمن عرف شيئا من الحق اتبع ما أنزل الله ، وكذلك شيء الهدى ، ثم «لو» قد تلمح إلى أن ذلك فرض أخير لحالة الآباء ، وبه تلحق سائر فروض التقليد الجاهل في مسرح اللايعقل واللّايهتدي وإن قليلا ، حيث التقليد العاقل بحاجة إلى عقل كامل عن شرعة الله ، وهدى شاملة إليها ، والتقليد الجاهل هو نفسه من خطوات الشيطان.
وفي تعقيب (لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً) ب (وَلا يَهْتَدُونَ) عطفا بعد ردف ، لمحة بارعة أن الاهتداء هو من خلفيات العقل ، مقدرا بقدره ، فحين لا يعقلون شيئا من الحق ، فهم لا يهتدون إليه بطبيعة الحال ، فالعقل ذريعة الهدى كما الهدى حصيلة العقل وكما يروى «العقل ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان».
__________________
(١) الدر المنثور ١ : ١٦٧ عن ابن عباس قال دعا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) اليهود الى الإسلام ورغبهم فيه وحذرهم عذاب الله ونقمته فقال له رافع بن خارجة ومالك بن عوف : بل نتبع يا محمد ما وجدنا عليه آباءنا فهم كانوا أعلم وخيرا منا فأنزل الله : وإذا قيل لهم ...