(وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) ١٧١.
علّ ذلك مثل للذين كفروا في ثالوث تقليد الآباء ، وعبادة الأصنام ، وترك قبول الدعوة الإلهية ، فالذي ينعق بما لا يسمع ـ هو في الأخير ـ الدعوة الرسالية ، فإنهم لا يسمعونها إلّا دعاء ونداء كما الأنعام ، وفي الأولين هو الأوّلان ، في نعقهم بآباءهم القدامى وهم أموات ، بل وهم عند حياتهم ايضا أموات عن إجابة صالحة لأبنائهم إذ لا يسمعون إلّا دعاء ونداء ، وفي نعقهم بأصنامهم أم وطواغيتهم هم بين اللّاإجابة أصلا إذ لا يسمعون حتى دعاء ونداء ، او اللّاإجابة حيث إجابتهم لا يحمل سؤالا لعابديهم.
ولأن (لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً) تتضمن السمع ، فدعاء الأصنام ـ إذا ـ هو ضمن المعني من الدعاء ، والأصل هو دعوة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إياهم ودعوتهم آباءهم ، ولأن الآباء القدامى أموات لا يسمعون حتى دعاء ونداء ، فالأصل هو ـ فقط ـ دعوة الرسول إياهم ، كما وتؤيده (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) صمّ عن سماع كلمة الحق إذ أصمهم الله بما صمّوا ، بكم عن الإفصاح بالحق إذ أبكمهم الله بما خرسوا عن الحق وبكموا ، عمي عن مشاهدة الحق إذ أعماهم الله بما عموا ، وبالنتيجة (فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) فان عقل الحقائق بحاجة الى سمعها والإفصاح بها والإبصار إليها ، وهم صدوا عن أنفسهم منافذ العقل (فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) بما صموا وابكموا وعموا.
فمن أهم منافذ العقل عن الحقائق السمع والبصر واللسان الإنسانية ، فالصمّ البكم العمي لا يعقلون فلا يهتدون ، فهم في ثالوث الضلال بما ضلوا والزيغ بما زاغوا (وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).