إذا فمثلك في دعاء الذين كفروا ، ام ومثل الذين كفروا في دعاءك إياهم (كَمَثَلِ الَّذِي ...) (١).
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) ١٧٢.
فلما لم يؤثر (يا أَيُّهَا النَّاسُ ...) أثره إلّا في الذين آمنوا ، فليكرر لهم الخطاب تشريفا بلقب الإيمان ، (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) وهنا تركه «حلالا» يؤيّد حلّ «حلالا» في آية الناس عن تقيّد (مِمَّا فِي الْأَرْضِ) إلى ضابطة الحل ، مهما زاد قيدا بعد «طيبات» هو (ما رَزَقْناكُمْ) وليس رزق غيرك رزقك كما ليس رزقك رزق غيرك ، فقد تقيّدت أصالة الحل بما رزقك الله ، وليس رزقك إلّا ما حصلت عليه من حلّه ، ام هو رزق جماعي لا مالك له شخصيا كالأملاك المشتركة قبل خروجها عن الاشتراك ، مثل الغابات والبحار والأنهار حسب الضوابط المقررة في الشرع.
وترى ان الله يرزقنا مع الطيبات غيرها ثم ينهاها عن غيرها ، فلما ذا ـ إذا ـ يرزقنا؟ إنه قد يرزقنا من غير الطيبات أكلا ولكنها من الطيبات لغير الأكل كالأصباغ أما شابه! ثم ومن الطيبات ما يصنع منها غير الطيبات وهي رزق غير حسن بما أساء الإنسان : (وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً) (١٦ : ٦٧) فثمرات النخيل والأعناب هي كأصلها رزق حسن ،
__________________
(١) نور الثقلين ١ : ١٥٢ عن أبي جعفر (عليهما السلام) في الآية : (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا) في دعائك إياهم ، أي مثل الداعي لهم إلى الايمان كمثل الناعق في دعائه المنعوق به من البهائم التي لا تفهم وانما تسمع الصوت ، فكما أن الانعام لا يحصل لهم من دعاء الداعي إلّا السماع دون تفهم المعنى فكذلك الكفار لا يحصل لهم من دعائك إياهم إلى الايمان إلّا السماع دون تفهم المعنى. لأنهم يعرضون عن قبول قولك وينصرفون عن تأمله فيكونون بمنزلة من لم يعقله ولم يفهمه ...