دون أية ريبة ، وحاملا لكل حق يحق نزوله للعالمين ، وب (إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي) ذلك (الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ) مع الله «بعيد» في الأعماق ، وبعيد عن كل آفاق الشقاق ، فإنه شقاق مع الله الذي نزل الكتاب ، وشقاق مع الرسول الذي أنزل عليه الكتاب ، وشقاق ـ ككل ـ مع الحق الذي لا يشتهونه ، فهم ـ إذا ـ في ثالوث الشقاق ، بعيدا بهذه الأبعاد.
وقد يعني «الكتاب» هنا بجنب القرآن سائر كتابات السماء ، وقد اختلف الكاتمون ما أنزل الله في كل كتاب ، لا سيما في البشارات الخاصة بالرسول محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) كما اختلف فيه المشركون و (إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا ...) تشملها جميعا.
هنا صلة بين هذا البيان وبين تحويل القبلة وما أثاروا حوله من جدل ، بيانا للحقيقة الكبرى ، الحقيقة بالجدل حولها ، دون شكليات الشعائر من تولية الوجوه قبل المشرق والمغرب ، كشعارات فاضية عن شعورات ، وإنما فائضة بشعورات وواقعيات ايمانية.
فالإيمان الصالح هو نقطة التحول في حياة الإنسان أيا كان وإلى أية قبلة اتجه ، إنه ـ فقط ـ هو نقطة التحول من الفوضى إلى النظام ، ومن التيه الى البلد الأمين ، ومن التفكك الى وحدة الاتجاه.
(لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ