المؤمنين دون وسيط يوم القيامة نظرا إليهم ، ويكلم غيرهم تنديدا بهم دون سماح لهم أن يكلموه.
ثم (وَلا يُزَكِّيهِمْ) قد تعم النشأتين ، وهي في الأخرى تزكية الشفاعة والغفران ، وفي الأولى تزكية العقائد والأعمال (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) في الأخرى ، وقد حملوه معهم من الأولى.
(أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) ١٧٥.
وهل كانت لهم هدى ومغفرة حتى يشتروا بهما الضلالة والعذاب؟ أجل وهي هدى الفطرة والعقلية الإنسانية ، ثم وهدى الرسالات الإلهية الحاضرة لديهم ، وبالنتيجة كانت لهم اسباب المغفرة حاضرة ، ولكنهم (اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ) تجاهلا وتغافلا عن الهدى والمغفرة (فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) هنا وهي أرواحهم النارية ، وبأحرى يوم القرار.
ويكأنما هي صفقة يدفعون فيها الهدى ويقبضون الضلالة ، ويؤدون المغفرة ويأخذون بديلها العذاب ، فما أخسرها من صفقة وأغباها ، فقد كانت الهدى لهم مبذولة في الآفاق وفي أنفسهم فتركوها واعتاضوا بها الضلالة ، وكانت المغفرة لهم متاحة فتركوها إلى النار (فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) : «ما أصبرهم على فعل ما يعلمون أنه يصيرهم إلى النار».
(ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) ١٧٦.
«ذلك» العظيم العظيم من اللعنة والعذاب على هؤلاء (بِأَنَّ اللهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ) : بسبب الحق وغايته ومصاحبا للحق الناصع الدال على وحيه