(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) ١٧٤.
قدمنا شطرا من الكلام حول الكتمان في آيته الأولى ، ثم (وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) هو تطلّب ثمن عما يكتمون ، وكل ثمن بديل ذلك الكتمان قليل مهما كان مليء الأرض ذهبا ، فكما أن كل شيء أمام الله ضئيل ، كذلك كل ثمن قبال ما أنزل الله قليل.
«أولئك» البعيدون عن كل هدى ، المتورطون في كل ردى (ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ) حيث الأكل المحرم هو يوم الدنيا نار ولكنها اليوم خامدة ، ثم يوم القيامة تضطرم: (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) ـ (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) ولماذا (فِي بُطُونِهِمْ) وليس الأكل إلّا بالأفواه الى البطون؟ علّه لأن فاعلية البطون للمأكول هي أصل الأكل وغايته ، فقد يأكل بفمه ثم يرجع دون ان ينتقل الى بطنه ، او ينتقل ولكنه يرجع كما أكل من فمه ام سواه ، إذا ف (فِي بُطُونِهِمْ) تحديد للأكل والمأكول استقرارا في بطونهم ، مع انه أفظع سماعا وأشد ايقاعا!.
(وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) حين يكلم المؤمنين ، والمعني هنا هو تكليم الرأفة والعناية : (وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ) (٣ : ٧٧) دون تكليم التنديد والنكاية كما (قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ).
وأما (ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ) (٤٢ : ٥١) فخاصة بيوم الدنيا ، فقد يكلّم عباده