تاريخ الحقوق وعرضه ، مما يجمع بين جمال التعبير وجلال المعنى وشموله لكافة المتطلّبات العادلة في حقل القصاص ... وهنا «في» تعني ظرف القصاص وجوه لا نفسه ، فان نفسها ليس حياتا وإنما فيها حياة ، ثم وتنكير حياة تفخيم لها وتوسعة لحقولها ، و «القصاص» المعرف تعريف بما يقصه القرآن من قصاص عادلة يسمح فيها بالعفو بعضا او كلّا ، ولا ينبئك مثل خبير بهكذا التعبير العبير.
فليس القصاص في شرعة القرآن انتقاما جافا جافيا وإرواء للأحقاد ، بل هي في سبيل الحياة ، واستحياء للقلوب واستجاشة لتقوى الله.
فليست لتقوم شرعة ولا حكومة أخرى بغير القصاص الخاص المنتهي ب (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ولا يفلح قانون ولا يتحرج متحرج ، ولا تكفي التنظيمات الخاوية من روح التقوى صدا عن الطغوى.
فالتقوى هي التي تحمل القاتل على الاعتراف بالجريمة في محكمة الشرع كما حصل كرارا زمن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) والائمة (عليهم السلام) ، فلقد كانت هنالك التقوى هي الحارسة اليقظة داخل الضمائر المؤمنة وفي حنايا قلوبهم ، الى جانب الشرعة النيرة البصيرة بخفايا القلوب.
فهل إن شرعة القصاص ـ بعد ـ همجية وجفاوة خلاف الحفاوة الإنسانية ، كما تقول الحضارة المادية المتفرنجة : إذا كان القتل الأول فقدا فالثاني فقد على فقد ، ثم وهو من القسوة وحب الانتقام ، البعيدة عن ساحة الإنسان العطوف الرؤوف ، وبالإمكان تأديب القاتل بما دون قتله.
ثم إن جريمة القتل ليست إلّا خلفية أوتوماتيكية لانحراف الروح ومرض النفس ، فقضية الرحمة والحكمة ـ إذا ـ أن يحوّل القاتل إلى مستشفيات الأمراض النفسية.