الأوس والخزرج ، فقد كانوا كلهم مشركين ، ويهود المدينة هم ـ وقتئذ ـ أحياء ثلاثة ، مرتبطة بعهود ، كلّ مع كلّ من حيي الشرك ، فبنوا قينقاع وبنو النضير هما حلفاء الخزرج ، وبنو قريظة هم حلفاء الأوس ، فكانت الحرب إذا نشبت بينهم قاتل كل فريق من اليهود مع حلفاءه المشركين ضد آخرين ومعهم يهود آخرون ، فيقتل اليهودي مثله كما يقتل المشرك دونما تمييز تمسكا بالأحلاف ، وتناسيا لحلف الله وميثاقه الذي واثقهم به.
كما وكانوا يخرجون فريقا منهم من ديارهم إذا غلب فريقهم ، نهبا لأموالهم وسبيا لفريق منهم حلفاء مع عدوهم (تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) كما تتظاهرون على خلطاءهم المشركين ، وهذا خلاف نص الميثاق في ناموس التوراة.
ومن ثم (وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ) دافعين الفدية عنهم حتى تستلموهم وتحرروهم ، وفقا لنص آخر من التوراة (وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ) فكيف الجمع بين قتالهم وقتلهم وإخراجهم وأسرهم ، وبين مفاداتهم (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ) فتفادونهم (وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) فتقاتلونهم وتخرجونهم من ديارهم وتأسرونهم؟.
و «هو» هنا إمّا ضمير شأن ، أو مبتدء مبهم مفسّر ب «محرمّ» والجملة الخبرية خبرها.
(فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ) النقض لشرعة الميثاق التوراتي (مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) أن تقاتلوهم إخوانكم لصالح أعداءكم المشركين (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ) لأن ذلك من أشد العصيان لشرعة الله (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) خلاف ما أنتم تزعمون.