هؤلاء الأنكاد كانوا يستعملون آلة الخير في الضر بالناس ، ويخيّل إليهم أنهم هم الضارون به بعيدا عن إذن الله ، حال أنهم ـ كضابطة عامة في كل ضر وشر أم خير ـ (وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ).
أترى الله يأذن بتأثير الضر تكوينا ما لم يسمح به تشريعا وهو تناقض؟ هنا الضر بإذن الله ليس إلا بعد تكملة الإختيار من اصحاب الضر والشر ، فلا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين ، وكما لا جبر في فعل الخير او تركه ، كذلك لا جبر في فعل الشر او تركه ، وهكذا التفويض ، فأمر بين أمرين في هذين الأمرين ، أن المقدمات لكل فعل اختياريّ ، منها اختيارية يختارها الفاعل ، ثم الإذن التكويني الخاص بالله ـ قضية توحيد الأفعال ـ هو الذي يبرز عملية الإختيار إلى الوجود ، فقد يأذن الله تحقق محاولات الشر ، إذ لولاه لكان الشرير مسيّرا في ترك الشر ، كما في كل شرير واصل إلى شره ، وهذه ضابطة عامة تحلّق على الخيرات والشرور.
وقد لا يأذن ـ لأمور طارئة ، حكمة من الله ، أم لصالح فيمن يؤمن عن الشر ، أم هما كما لم يأذن الله للنار أن تحرق ابراهيم ، وهو يأذن لها ان تحرق كضابطة عامة سارية المفعول عند الشرائط الخلقية.
إذا ف «لا مؤثر في الوجود إلا الله» ولكن دون جبر أو تفويض في الأمور
__________________
ـ تجربة وبعضه علاج ، قال : فما تقول في الملكين هاروت وماروت ، وما يقول الناس بأنهما يعلمان السحر؟ قال : انهما موضع ابتلاء وموقف فتنة بتشييحهما اليوم لو كان فعل الإنسان كذا وكذا لكان كذا وكذا ، ولو يعالج بكذا وكذا لصار كذا اصناف السحر ، فيعلمون منهما ما يخرج عنهما فيقولان لهم : انما نحن فتنة فلا تأخذوا عنا ما يضركم ولا ينفعكم ، قال : أفيقدر الساحر أن يجعل الإنسان بسحره في صورة الكلب او الحمار او غير ذلك؟ قال : هو أعجز من ذلك وأضعف من ان يغير خلق الله ، ان من أبطل ما ركبه الله وصوره فهو شريك الله في خلقه تعالى عن ذلك علوا كبيرا.