سحر الشياطين على الملكين وانما انزل عليهما مبطل السحر مهما كان سحرا ولكنه من نوع آخر يبطل الأوّل ، فهو ـ إذا ـ أقوى من الأوّل ، ثم و (وَما يُعَلِّمانِ) إبطاله (مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ) امتحانا لكم وابتلاء (فَلا تَكْفُرْ) باستعماله في الباطل ، وانما في حق الإبطال لباطل سحر الشياطين (فَيَتَعَلَّمُونَ ...).
وكون «ما» الأولى موصولة لا يرجع إلى معنى صالح ، اللهم إلّا بحذف الواو عن (وَما يُعَلِّمانِ) فالمعنى : والسحر الذي أنزل على الملكين ما يعلمان به من أحد ... فإنه ليس إلّا إبطالا للسحر.
ذلك ، وأبعد منه عن المسرح كون «ما» فيها موصولة ، أو الاولى نافية والثانية موصولة ، مهما دخلت هذه الثلاث في حساب المليون ومأتين وستين ألف احتمالا بضرب كل المحتملات في كلّ من مقاطع الآية بعضها في البعض ، حيث الاكثرية الساحقة لا تناسب أدب اللفظ أم المعنى أم كليهما.
ثم هاروت وماروت وهما ملكان ، كانا يظهران ـ بأمر الله ـ بهيئة الإنسان ببابل فيعلّمون الناس المبتلين بسحر الشياطين سحرا أقوى منه يبطله (وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ) سحرهما النازل عليهما إلا بحجة رادعة قارعة : (إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) ولكنهم كانوا يبدّلون الحسن سوء والخير شرا ككل من يستعملون نعمة الله في نقمة حيث يبدلونها نعمة (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) ف «يفرقون به ـ دون ـ يفرق به» تلمح أن ذلك السحر كان لإبطال التفرق ، وكما يأتي منه التفريق ايضا حسب مختلف استعمالاته ، كما اللسان القادر على الإفصاح قد يوفق بين المتخاصمين وأخرى يفرق بين المتحابين (١).
__________________
(١) نور الثقلين ١ : ١١٤ في الاحتجاج للطبرسي عن أبي عبد الله (عليه السلام) حديث طويل وفيه قال السائل له : فمن أين علم الشياطين السحر؟ قال : من حيث عرف الأطباء الطب ، بعضه ـ