ثم (وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ) هو من الاعتداء بالمثل ، فكما أخرجوكم عن حرم الله أخرجوهم عنه ولا تسمحوا لهم بالمقام عنده ، فلقد فتنوكم إذ أحرجوكم حتى أخرجوكم ، فتنة عن دينكم ، وضغطا عليكم حتى تتركوه (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) ـ (وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا ...) (٢ : ٢١٧) فالارتداد عن الدين هو أشد واكبر من القتل ، لأن ذلك قتل للأرواح وهذا قتل للأجساد ، كذلك ومحاولة الارتداد أشد واكبر من القتال التي هي محاولة القتل ، فليقاتل صاحب الفتنة كما يقاتل المقاتل وهو أحرى ان يقاتل.
فلأن «الفتنة أشد واكبر من القتل» فقد يجوز او يجب قتال المفتتنين وان لم يكونوا مقاتلين إنذارا عليهم في البداية حتى يكفوا عن فتنتهم ، ثم يقاتلون ان لم ينتهوا ، حيث الفتنة أشد واكبر من القتل. والأكبر ـ هو بطبيعة الحال ـ أوجب قتالا.
ف ـ «قاتلوهم ـ واقتلوهم» ولكن (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) حرمة له (حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ) مما يلمح لسماح قتالهم في سائر الأمكنة وان لم يقاتلوكم ما هم مفتتنون «كذلك» البعيد المدى ، السديد الصدى (جَزاءُ الْكافِرِينَ) مقاتلين او مفتتنين.
وإذا كانت مقاتلة المشركين وقتلهم عند المسجد الحرام محظورا إلّا إذا قاتلوا عنده ، فبأحرى محظورا قتل المسلم المذنب اللاجئ الى المسجد الحرام ، مهما يضيق عليه حتى يخرج فيقام عليه الحد.
و (عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) لا «فيه» كما (يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ) علّه للتأشير إلى توسعة مكان الحظر عن قتالهم أنه ليس فقط «في المسجد الحرام» بل و (عِنْدَ