مما كان يجعل الإسلام في نظر المشتركين دعوة تفتيت للبيوت ، فأما بعد الهجرة وقد انعزلت الكتلة المؤمنة كوحدة مستقلة وحيدة غير وهيدة فقد تغيّرت الحال فتحولت إلى سماح القتال.
كل ذلك إضافة الى ان مسلمي مكة ـ وهم شذر نزر ـ ما كانوا يستطيعون البقية على أنفسهم ونفائسهم ، فضلا عن الدفاع الدموي ، الذي ما كان يخلّف إلّا استئصالا للكتلة المؤمنة عن بكرتها وهي في بزوغها ولمّا تقوى.
لهذه وأشباهها كان العهد المكي عهد الاستسلام حتى يأتي امر الله وقد أتى ابتداء بالاذن في القتال وانتهاء الى حرب دائبة (حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ) وطبعا بعد إلقاء الحجة الساطعة والبيان ، والتأكد من عناد الكفار وصمودهم على إثارة الفتن.
(وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ) (١٩١).
«هم» المكرورة هنا راجعة إلى المقاتلين من الكفار وليسوا هم جميعا ، فالحرب حتى الآن هي الدفاعية المحضة دونما أية هجمة ابتدائية.
و «ثقفتموهم» لا تعني فقط وجدتموهم او اخذتموهم (مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً) (٣٣ : ٦١) فهي أخص من وجدتموهم : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (٩ : ٦).
والثقف هي الدرك الدقيق المحيط مع حذق وشطارة ، فهي الملاحقة الدقيقة الحاذقة الشاطرة ، مما يدل على ان ملاحقة المقاتلين مسموحة ، اللهم إلّا إذا انتهوا او استسلموا وألقوا إليكم السلم ، او أدبروا عن المعركة دونما عزم على المواصلة ولا فتنة.