وكلّ يقدّر بقدر المستطاع ، دون النزوع الى ما لا يطاق ، وإلى ان يتسلم الإمرة الشاملة ـ على العالم كله ـ ولي الأمر كله عجل الله تعالى له الفرج وسهل له المخرج.
ولما ذا كان الكف عن الدفاع في العهد المكي واجبا لزاما؟ والدفاع ـ على أية حال ـ حق ذاتي لكل من يهاجم؟.
قد يكون من أسبابه تطوع نفوس المؤمنين الأول ـ وهم قواعد بناية الإسلام ـ للتصبّر ، خضوعا لقيادة موحّدة ، وهم شديدو الحماسة لا يتصبرون على الظلم والضيم ، وذلك الصبر يمرّن على الطوع رغم النزعات الشديدة والهياجات المديرة في أية حركة مضادة عليهم ، صبرا بما أمروا (كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ).
ثم البيئة العربية كانت ـ ولا تزال ـ بيئة نخوة ونجدة ، إذا فصبر المسلمين على الأذى وفيهم من يملك الصاع صاعين وأصواعا ، ذلك كان مما يثير نخوة الآخرين وتحريك قلوبهم نحو الإسلام بهكذا مسلمين ، وقد حدث بالفعل في اضطهاد الشعب عند ما أجمعت قريش على مقاطعة بني هاشم فيه لكي يتخلوا عن حماية الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، فلما تفاقم أمر الاشتداد في الاضطهاد ثارت نفوس من قريش نجدة ونخوة ، فمزقت صحيفة المعاهدة الملعونة ضد الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وانتهى الحصار ، كخليفة صالحة لذلك الحياد عن الدفاع في تلك الفترة.
ومن ثم لم يكن من الصالح سياسيا اسلاميا للقيادة العليا الرسالية إثارة حروب دموية داخل البيوت ، إذ كان المسلمون في العهد المكي فروعا قليلة من غزيرة البيوت ، ولم تكن هناك سلطة موحدة تتولى الإيذاء العام ، فلو أذن للمسلمين بالدفاع لكان معناه الإذن في اقامة المعارك المتواصلة في جل البيوت ،