كما المجاهد القاعد عن القتال ، او المتهاون فيه حفاظا على نفسه ورياحته ـ هو كذلك ـ ممن يلقي بيديه الى التهلكة ، وكذلك سائر التهلكات نفسا وعقلا ودينا وعرضا ومالا ، أن يلقي الإنسان نفسه بيده إلى ايّ منها ، وليس الجهاد في سبيل الله على شروطها من التهلكة ، فان تعريض اي نفس او نفيس لخطر السقوط حفاظا على ناموس الدين مما لا بد منه ، وهذه ضابطة عامة : التفدية بالمهم حفاظا على الأهم ، فانما التهلكة المنهية هي الخاوية عن أية فائدة ، دونما أهمية لما يستهلك له نفسه او نفيسه ، ف «ليس التهلكة ان يقتل الرجل في سبيل الله ولكن الإمساك عن النفقة في سبيل الله» (١) وليس إقدام الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) على ما أقدم وكان فيه هلاكه من إلقاء النفس الى التهلكة لأنه«خير في تلك الليلة لتمضي مقادير الله عز وجل» (٢) ، ام
__________________
(١) الدر المنثور ١ : ٢٠٧ ـ أخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في الآية وفيه بطرق كثيرة عن أسلم أبي عمران قال : كنا بالقسطنطنية وعلى اهل مصر عقبة بن عامر وعلى اهل الشام فضالة بن عبيد فخرج صف عظيم من الروم فصففنا لهم فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم فصاح الناس فقالوا : سبحان الله يلقي بيديه إلى التهلكة؟ فقام أبو أيوب صاحب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال : ايها الناس إنكم تتأولون هذه الآية هذا التأويل وإنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار إنا لما أعز الله دينه وكثر ناصروه قال بعضنا سرا دون رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : إن أموالنا قد ضاعت وإن الله قد أعز الإسلام وكثر ناصروه فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع فيها ، فأنزل الله على نبيه يرد علينا ما قلنا : وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة فكانت التهلكة الإقامة في الأموال وإصلاحها وتركنا الغزو.
(٢) نور الثقلين ١ : ١٨٠ في اصول الكافي بسند متصل عن الحسن بن الجهم قال : قلت للرضا (عليه السّلام) امير المؤمنين (عليه السّلام) قد عرف قاتله والليلة التي يقتل فيها والموضع الذي يقتل فيه وقوله لما سمع صياح الأوزّ في الدار : صوايح تتبعها نوايح ، وقول ام كلثوم : لو صليت الليلة داخل الدار وأمرك غيرك يصلي بالناس فأبى عليها وكثر دخوله وخروجه تلك الليلة بلا سلاح وقد عرف (عليه السّلام) ان ابن ملجم لعنه الله قاتله بالسيف كان هذا مما لا يحسن تعرضه؟ فقال : ذلك كان ولكنه خيّر في تلك الليلة لتمضي مقادير الله عزّ وجلّ.