من بحر عرفات الى مضيق المشعر الحرام ، حيث المعرفيات الثلاث تختصر هناك في (فَاذْكُرُوا اللهَ) فانه إيجاب يأتي دوره بعد كل سلب لغير الله ، سلبا لكل ما سوى الله ، من نفسك ونفسياتك ، وسلبا للشيطان وكل الشيطنات ، فذكرا لله وحده لا شريك له ، وعلّ ترك (فَاذْكُرُوا اللهَ) في عرفات إلى المشعر الحرام ، لأنها ساحة غربلة المعرفيات ، ثم ساحة المشعر ساحة تحقيقها بذكر الله.
وقد نشعر موقف المشعر روحيّا بأسمائه الثلاثة : المشعر الحرام ـ الجمع ـ المزدلفة ـ وكما شعرناه بواجبه : (فَاذْكُرُوا اللهَ ..) تحقيقا لما حضّرتموه في عرفات من معرفيات ، والثلاثة أولها وأولاها «المشعر الحرام» إذ انتجبه الله بينها ، ولأنه يشعرنا بركنه في فقه المعرفة ، وأركنه هو (فَاذْكُرُوا اللهَ) كما «ان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان يقف عند المشعر الحرام ويقف الناس يدعون الله ويكبرونه ويهللونه ويمجدونه ويعظمون حتى يدفع الى منى» (١).
«المشعر» هو محل الشعور ، اشعارا إلى أنه مكان غربلة المعرفيات التي حصلت عليها في عرفات ، إذ كانت خليطة في ذلك العجال بين كل غثّ وسمين ، وخائن وأمين ، فلتغربلها بدقة الشعور ، استخلاصا لكاملها كما يصلح في حقل تحقيقها : منى.
و «الحرام» هي إضافة الى حرمة الاحترام ، قد تعني تحريم ما دون الشعور والدقة في تلك المجالة التحضيرية الأخيرة لمنى ثم الزيارة.
ثم هو «جمع» وذلك بعد الانتشار في فسيح بحر عرفات ، إذ يفيضون منها الى مضيق الجمع ، فيجمعهم مع بعضهم البعض ، كما ويجمعهم الى الله بذكره ، ثم يجمعهم الى منى فانه من مشارفها ، ثم والحجيج يجمعون حصالة
__________________
(١) الدر المنثور أخرج ابن خزيمة عن ابن عمر ان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان يقف ...