بعد كلما وسع نطاق لفظه ، فإنما العبرة بمطلق اللفظ او عمومه ، لا خصوص المورد ، وإلّا لمات القرآن كله ، إذ مات الذين ورد بشأنهم.
ولقد ورد بشأنهم الشائن في كتب السماء كتفصيل لهذه الآية أحاديث قدسية ، منها : ان الرب تبارك وتعالى قال لعلماء بني إسرائيل : يفقهون لغير الدين ويعلمون لغير العمل ، ويبتغون الدنيا بعمل الآخرة ، يلبسون مسوك الضأن ويخفون أنفس الذئاب ، ويقفون القذى من شرابكم ويبتلعون أمثال الجبال من المحارم ، ويثقلون الدين على الناس أمثال الجبال ، ولا يعينونهم برفع الخناصر ، يبّيضون الثياب ويطيلون الصلاة وينتقصون بذلك مال اليتيم والأرملة ، فبعزتي حلفت لأضربنكم بفتنة يضل فيها رأي ذي الرأي وحكمة الحكيم (١).
ويا لمنافق ـ هو من ألد الخصام ـ من شيطنة مدروسة حتى ليكاد يضلل الصالحين بقولته اللينة المرنة ، يصور نفسه إليك خلاصة من الخير وكلاسة من الإخلاص لله والتجرد والحب والترفع عن دانية الدنيا ، تعجبك ذلاقة لسانه ونبرة صوته ببيانه ، ثم (وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ) زيادة في الإيحاء الإغواء (وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ) تزدحم نفسه بكل خصومة ولدد ، وهو من كل خير بدد.
ذلك ، ومن ثم لمّا يأتي دور الامتحان ، الذي به يكرم المرء أو يهان تراه :
__________________
(١) الدر المنثور ١ : ٢٣٨ ـ أخرج احمد في الزهد عن وهب ان الرب تبارك وتعالى قال ... وفيه اخرج سعيد بن منصور وابن جرير والبيهقي في الشعب عن أبي سعيد المقبري انه ذاكر محمد بن كعب القرظي فقال : ان في بعض كتب الله أن لله عبادا ألسنتهم احلى من العسل وقلوبهم امر من الصبر لبسوا لباس مسوك الضأن من اللين يجترّون الدنيا بالدين قال الله : أعلّي يجترّون وبي يفترون وعزتي لأبعثن عليهم فتنة تترك الحليم منهم حيران فقال محمد بن كعب هذا في كتاب الله (وَمِنَ النَّاسِ ...).