(وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ) ٢٠٥.
«تولى» الطليقة هنا عن كل تعلق ، تتولى كلّا من الانصراف «الى» ك (ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ) او «عن» : (تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ) (٩ : ٩٢) وهما الخروج من عند من كنت عنده ، كما تولى الأخنس عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وفعل ما فعل ككل نسناس خناس ، وكذلك تولي الحكم تقبلا للولاية بتكلف عارم وهمّ صارم ك (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) (٤٧ : ٢٢) حيث التولي المطلق ظاهرة في الولاية والزعامة ، ولكن الثاني ألمح من جوّ الآية وألمع ، فإن الإفساد في الأرض وإهلاك الحرث والنسل بحاجة إلى سلطة على أية حال ، ثم (أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ) دليل ثان على تولي الحكم مهما كان قليلا ، إذ العزة هنا هي سلطة مّا بها يستطيع على الإفساد قدرها.
هذا! إلّا أن لفظ الآية يشملهما ، حيث السلطة المقتضية للإفساد والإهلاك تقدر بقدرهما ، فقد تكون قدر الإفساد الذي يسطعه ككل مفسد في الأرض ، وأخرى إفسادا واسعا في بلد او قطر أما زاد حسب سعة السلطة.
إذا فكل تولّ فاسد مفسد تشمله (وَإِذا تَوَلَّى) وأصدق مصاديقها السلطات الشريرة على مرّ الزمن فانها بدورها (سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ).
إهلاك الحرث والنسل هما من أنحس مصاديق الإفساد في الأرض ، وترى الحرث ـ إذا ـ تختص بحرث الزرع حنطة وشعيرا وما أشبه ، وإهلاك حرث الدين والعقيدة أهلك وأحلك ، تسويدا لصفحة الإنسانية ، وإهلاكا لكل حيويتها!.