على الفرد الذي له همامة جماعة ذات قصد واحد ، أم إمامة جماعة ، وله الهمة العالية التي تخلق أمة على منهجه ومنهم إبراهيم : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (١٦ : ١٢٠).
وترى (أُمَّةً واحِدَةً) هنا ـ بالنسبة للناس ككلّ ـ هي أمة الهداية ، أنهم كلهم كانوا على هدى قبل بعث النبيين؟ وهذه مستحيلة في نفس الذات ، فان مختلف الأهواء والرغبات الإنسانية هي أسس عوامل الاختلافات الشاسعة بين الناس! وحين لم تجمع الناس و ـ لن يجتمعوا ـ على هدى بدعوات الرسل ، فكيف تجتمع ـ إذا ـ دون دعوة رسالية!.
ثم إذا كان القصد من بعث النبيين القضاء على الخلافات الإنسانية ، فما هي الحاجة إليهم وهم على هدى! رغم أن الرسالات جعلت الناس في شطري الهداية والضلالة : (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ) وأنهم جاءوا لرفع خلافات دائبة بينهم : (وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ)! فما هي الهدى الواحدة بينهم؟!.
أم هي أمة الضلالة ، أنهم كانوا ككلّ كفارا؟ وتراهم كلّهم بما ذا كفروا ولم يبعث بعد نبيون حيث : (فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ ..)! ثم وكيف يمكن الإجماع على ضلال الكفر لو كفروا بشرعة إلهية ، وحملة الشّرعة هم على هدى من ربهم ، ولا يخلوا المرسل إليهم ـ لو كانت رسل ـ من استجابة مّا للرسالات! وحتى قبل الدعوات الرسالية ، ليس الناس كلهم كفارا بمبدإ الفطرة والعقلية الإنسانية!.
فلم يكونوا ـ إذا ـ لا مهتدين ولا كفارا ، بل «كانوا ضلالا لا مؤمنين ولا كافرين ولا مشركين» (١) حيث الدعوات الرسالية هي التي تخلق هذه الأمم
__________________
(١) نور الثقلين ١ : ٢٠٨ في تفسير العياشي عن يعقوب بن شعيب قال سألت أبا عبد الله ـ