(وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) (٢ : ٢١٩) سؤالان اثنان في كل القرآن (ما ذا يُنْفِقُونَ) لا ثالث لهما ، وجواب الثاني واضح لا مرية فيه ، أن مادة الإنفاق هي العفو : الزائد عن الحاجة المتعودة ، دون تبذير ولا إسراف ولا كنز.
ولكن في الأول بعض الغموض ، حيث الظاهر البادي من الجواب هو التحول عنه الى امر آخر غير مسئول ، ولكنه إجابة ضمنية عن السؤال ب «ما أنفقتم من خير ـ وما تفعلوا من خير» ثم اصلية لم يسألوها وهي أحرى بالسؤال ، فان مادة الإنفاق وكيفيته مسرودة في القرآن وهم بها عارفون ، فلتذكر هنا كمعروف لديهم بصيغة تشمل كلا المادة والكيفية.
ف (ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ) هو المال الحلال حيث الحرام ليس خيرا ، والمحبوب عند المنفق : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) (٣ : ٩٢) والمنفق لوجه الله دون منّ ولا أذى ، والعفو الوسط بين الإفراط والتفريط ، الزائد خارجا عن ثالوث التبذير والإسراف والكنز.
فكلمة «خير» اجابة عما ذا ينفقون هي خير كلمة تشمل كل شروطات الإنفاق ، ثم يبقى المنفق عليهم ، المذكورون كأصل في الجواب ، وهم داخلون في «خير» حيث الإنفاق لغير المستحق ليس خيرا ، وعل (ما ذا يُنْفِقُونَ) ايضا تعني ماهية الإنفاق الطليقة بكل أبعادها مادة وكيفية وموردا (١).
إذا فخير الإنفاق يشمل مادته وحالته وكيفيته وقدره ومورده ، فلخير الإنفاق ـ إذا ـ أبعاد نفسية تزكية لها بجزاءه الأوفى : (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ
__________________
(١) الدر المنثور ١ : ٢٤٣ ـ اخرج ابن المنذر عن ابن حبان قال : ان عمرو بن الجموح سأل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما ذا ننفق من أموالنا واين نضعها؟ فنزلت الآية ، وفيه اخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريح قال : سأل المؤمنون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اين يضعون أموالهم فنزلت الآية.