وحي السماء يبين خطأ الأرض في مصاديق من الخير والشر.
فهذه اللمسة الحنونة الربانية للفطرة والعقلية والحسية الإنسانية تفتح امامها عالما آخر وراء المحسوس الملموس ، فترتّب الحاضر والغائب على غير ما تظنه وتتمناه ، تبيينا لها انها لا تحيط علما بكل خير وكل شر ، في حين يراد منها الدخول في السلم كافة من بابه الواسعة ، دون الضيقة الخاطئة في حدودها المحدودة ، فلا تستشعر النفس الإنسانية حقيقة الإسلام لله إلّا حين تستيقن ان الخيرة انما هي فيما يختارها الله لأنه الله العليم الحكيم الرحيم ، فيستسلم لأمره واثقا بوعوده دون خوف عما يستقبله من مخاوف ولا حزن على ما مضى ، إلّا رجاء واثقا ان يحقق له ربه ما أمضى.
و «عسى» هنا كما في غيرها ، هي من الله ترديد في جوّه لمن عساه يجهل كما هنا ف «ارض عن الله بما قدر وان كان خلاف هواك» (١) ، وكل إنسان يجد في تجاربه الخاصة مكروهات هي في الحق خيرات ، وخيرات هي في الحق مكروهات ، ما يطمئنه ان ليس كل ما يراه خيرا خيرا ، ولا كل ما يراه شرا شرا ، فلا بد ـ إذا ـ من التسليم المطلق لأمر الله فانه خير على أية حال.
ولقد وردت في القتال آيات وعلى ضوءها روايات تجعلها أحيا من كل حياة ، يجب على من يستحب الحياة ان يدق دروبها حفاظا على بيضة الإسلام ، وحيادا وحائطه على صالح المسلمين في كافة الحقول الحيوية التي هي قضية الإيمان والتسليم لله.
__________________
(١) الدر المنثور ١ : ٢٤٤ ـ اخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : كنت رديف رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال : يا ابن عباس ارض ... فانه ثبت في كتاب الله ، قلت يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأين وقد قرأت القرآن؟ قال : (عَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ).