نهيا عن قربها إلّا بالتي هي أحسن وأن أكلها هو أكل النار ، حيث «انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه فجعل يفضل له الشيء من طعامه فيجلس له حتى يأكله او يفسد فيرمى فاشتد ذلك عليهم فذكروا ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأنزل الله الآية فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم».
فطبيعة الحال الإيمانية بعد الآيات الأولى ولا سيما (.. وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً) (٤ : ٢٠) وما أشبه ، أنها كانت تحملهم على الابتعاد عنهم مفاصلتهم بعد مواصلات.
لذلك تحرّجوا في شأن اليتامى سلبا وإيجابا : إذا تركوهم لحالهم فقد تركوا الإحسان إليهم ، وإن خالطوهم فلا بد من مؤاكلة وقضية حالها العادية أكل شيء من أموالهم وإن كان هناك إيكال ، فهنا (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى) عن الحلّ الوسط بشأنهم ، والجواب (قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ) فليس الواجب هو الإصلاح الدقيق المحرج فإنه غير مستطاع وقد يبوء إلى إفساد كما باء ، وانما (إِصْلاحٌ لَهُمْ) قدر المستطاع «خير» من تركهم فإن فيه إفسادا لهم ولأموالهم ، وفي دوران الأمر بين المحظورين (قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ) وهو عوان بين الإصلاح الدقيق غير المستطاع وبين الترك الذي يبوء إلى إفساد مّا ، وهو تحريج على كلا الأولياء واليتامى ، لا سيما وأن اليتيم بحاجة إلى عطف أبوي يلمسه من مخالطة وليه ، فأكله وحده ووليه عنده لا يأكل حتى يفسد فضوله فيرميه ، ذلك إجحاف نفسي بحق اليتيم ، يفقد فيه الحنان الأبوي ... ف «خير» هنا أعم من التفضيل ومقابل الشر (وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ) إذ ليست كل المخالطات مع اليتامى من المحظورات ، فالمخالطة الأخوية هي العدل العوان بين اللّامخالطة والتي فيها أكل أموالهم الى أموالكم ، مخالطة أخويه تأكل من اكله كما يأكل من أكلك ، وتتودد إليه كأخ كبير كما يودك كاخ صغير ، وذلك ككل المخالطات