فليست المباشرة المسموحة ـ إذا ـ ممنوحة ممدوحة لمجرد الاندفاع الشهواني الحيواني الموصول بالجسد ، منفصلا عما كتب الله لكم من المتعة بالذرية كثمرة عالية في هذه المباشرة ، وكذلك التهيئة لتمام الصيام.
فهكذا تنظف هذه المباشرة وتخرج عن الرفث ، فترق ـ إذا ـ وترقى من حضيض حيونة الشهوة الى أفق الإنسانية الرفيعة ، ومنها ابتغاء كمال الصيام نهاره ، كيلا يتضايق فيه عن ضغط الشهوة ، فهذه وأمثالها من أمور راجحة ام واجبة تجعل الرفث مباشرة راجحة ام واجبة.
ثم وليس فقط تحليل الرفث ليلة الصيام ، بل والأكل والشرب ايضا (١) ، مما قد يلمح بعدم حل سائر المحظورات حالة الصيام ، إذا فرمضان
__________________
(١) قصة قيس بن حرمة الانصاري مشهورة مروية بعدة طرق وهي كما في الدر المنثور ١ : ١٩٧ عن البراء بن عازب قال كان اصحاب النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إذا كان الرجل صائما فحضر الإفطار فنام قبل ان يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي وان قيس بن حرمة الأنصاري كان صائما فكان يومه ذاك يعمل في ارضه فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال هل عندك طعام قالت لا ولكن انطلق فأطلب لك فغلبته عينه فنام وجاءت امرأته فلما رأته نائما قالت خيبة لك أنمت فلما انتصف النهار غشي عليه فذكر ذلك للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فنزلت هذه الآية (أُحِلَّ لَكُمْ ...) ففرحوا بها فرحا شديدا. أقول : اصل نزول الآية كما هي صريحة : «أحل ...» هو بشأن مباشرة النساء وبضمنه الاكل والشرب ، فقد توارد السببان لنزولها.
وهكذا قصة خوات بن جبير فعن تفسير القمي مرفوعا قال قال الصادق (عليه السّلام) كان النكاح والاكل محرمين في شهر رمضان بالليل بعد النوم يعني كل من صلّى العشاء ونام ولم يفطر ثم انتبه حرّم عليه الإفطار وكان النكاح حراما بالليل والنهار في شهر رمضان وكان رجل من اصحاب النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقال له خوّات بن جبير أخو عبد الله بن جبير شيخا كبيرا ضعيفا وكان صائما فابطأت عليه امرأته فنام قبل ان يفطر فلما انتبه قال لأهله قد حرم عليّ الاكل في هذه الليلة فلما أصبح حضر الخندق فأغمي عليه فرآه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فرقّ له وكان قوم من شبان ينكحون بالليل في شهر رمضان فانزل الله (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ ...).