ولقد ذكرت هذه الآية أصدق مصاديق الاكل بالباطل ، إدلاء إلى الحكام (لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ) وهو ذريعة الرشا (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أنها من أموال الناس ، وان الرشا إثم ، وأن أكل اموال الناس بها إثم.
هذا ـ ولكن (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) تظل على عمومها في حظر الأكل بالباطل ، وهو كل تصرف في مال او حق بغير حق ، سواء أكان لك ام لسواك ، حيث المال ـ أيا كان ـ هو مال الله ، فلا يحق ان يتصرف فيه إلّا بمرضات الله.
وترى (لِتَأْكُلُوا ..) كغاية محرمة تحصر حرمة الرشاء فقط فيما يقصد فيها أكل اموال الناس؟ فإن أدلى مالا إلى حاكم ليحكم لصالحه استرجاعا لماله المغصوب جاز!.
أجل يجوز لغاية الحصول على حقه ، ولكن هذه الغاية الصالحة لا تبرر تلك الوسيلة غير الصالحة ، فانها تحاكم إلى الطاغوت الذي يتميل إلى ما إمالة المال.
فمهما لم يكن هذا أكلا لأموال الناس بذلك الإدلاء ، ولكنه أكل لمالك الغائب استرجاعا له بالباطل وهو التحاكم الى الطاغوت ، فيشمله اطلاق النص : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) كما ان استرجاع مالك بالفحش والضرب والفرية والقتل وما أشبه ، ذلك كله من أكل أموالكم بينكم بالباطل.
__________________
ـ وأشياء قد درست فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إنما اقضى بينكما برأي فيما لم ينزل علي فيه فمن قضيت له بحجة أراها فاقتطع بها قطعة ظلما فانما يقتطع من النار يأتي بها اسطا يوم القيامة في عنقه فبكى الرجلان فقال كل واحد منهما يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حقي له فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لا ولكن اذهبا فتوخيا للحق ثم استهما وليحلل كل واحد منكما صاحبه»