اخرى حول القمر وحالاته ومنازله منذ هلاله حتى عاد كالعرجون القديم ، وقد يكفي هذا الجواب لمحة صارحة عن موقف السؤال.
ثم ترى ما هي الصلة القريبة او البعيدة بين صدر الآية الى «والحج» وبين ذيلها (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها)؟
إنه ظاهرة الصلة بمن يسألون عن الأحوال الكونية للأهلة وهم يجهلون دورها الشرعي ، وكذلك الصلة بواجهة التعنت في السؤال استجهالا في حكمة الأهلة ، وانه من إتيان البيوت من ظهورها ، وكذلك الصلة بالحج ، فقد تعودت جماعة ـ كسنة حسنة في زعمهم ـ ان يأتوا بيوتهم في حجهم او عمرتهم من ظهورها (١) ، فنهاهم الله عن هذه العادة المتخلفة ، ولكن الآية أشمل موردا من هذه الثلاث فهو ان يأتي الأمر من وجهه أي الأمور
__________________
(١) في الدر المنثور ١ : ١٠٤ عن البراء قال : كانوا إذا أحرموا في الجاهلية أتوا البيت من ظهره فأنزل الله الآية ، وعنه كانت الأنصار إذا حجوا فرجعوا لم يدخلوا البيوت إلّا من ظهورها فجاء رجل من الأنصار فدخل من بابه فقيل له في ذلك فنزلت هذه الآية. وفيه اخرج ابن جرير عن السري قال : ان ناسا من العرب كانوا إذا حجوا لم يدخلوا بيوتهم من أبوابها كانوا ينقبون في ادبارها فلما حج رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حجة الوداع اقبل يمشي ومعه رجل من أولئك وهو مسلم فلّما بلغ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) باب البيت احتبس الرجل خلفه وأبى ان يدخل قال يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إني أحمس وكان أولئك الذين يفعلون ذلك يسمون الحمس قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأنا أيضا أحمس فادخل فدخل الرجل فانزل الله (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها) أقول واما ما ورد من تقرير الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لدخول البيوت من ظهورها ثم نزلت الآية ناسخة لذلك التقرير فليس بجدير لساحة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لأنه ما كان يسن غير البرّ فهل سنه الله أولا ثم نسخه فكيف يسن الله غير البر ثم ينسخه ، فانما كانت عادة جاهلية نشبت الى المسلمين لفترة والرسول يخالفهم فيها كما في نص الرواية الأخيرة حتى نزلت هذه الآية تنديدا بها.