فيما يفنى ، ويسامح فيما يبقى ، يرى الغنم مغرما والغرم مغنما ، يخشى الموت ولا يبادر الفوت ، يستعظم من معصية غيره ما يستقل أكثر منه من نفسه ، ويستكثر من طاعته ما يحقره من طاعة غيره ، فهو على الناس طاعن ، ولنفسه مداهن ، اللغو مع الأغنياء أحب إليه من الذكر مع الفقهاء ، يحكم على غيره لنفسه ، ولا يحكم عليها لغيره ، ويرشد غيره ويغوي نفسه ، فهو يطاع ويعصي ، ويستوفي ولا يوفي ، ويخشى الخلق في غير ربه ، ولا يخشى ربه في خلقه (الحكمة ١٤٣).
وهنا يقول رسول الهدى (صلّى الله عليه وآله وسلم): «كيف يا رب والغضب»؟ غضبي عليهم لعنادهم وغضبهم علي حيث أدعوهم وآمرهم وأنهاهم خلاف أهواءهم ، فيجاب :
(وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(٢٠٠).
النزغ هو دخول في أمر لإفساده ، وهكذا يتدخل الشيطان في صالح أمورنا لإفسادها ، ومنه تدخّله في هذه المكارم الأخلاقية والعلاج بعد كلّ القدرات المقاومة (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) ليعيذك من نزغ الشيطان ، ولا بد فيها من قال مع حال وأعمال لمكان (إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) فهو «سميع» لقالات المستعيذين ، «عليم» حالاتهم وفعالاتهم المستعيذة ، كما هو (سَمِيعٌ عَلِيمٌ) قالات وفعالات المتخلفين عن شرعة الله.
(إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ)(٢٠١).
مسّ طائف من الشيطان يعمي على الممسوس طريقه ، فإذا تذكروا فإذا هم مبصرون والمس هنا مس للصدر فالقلب وما قبلهما من الفطرة والعقلية وما بعدهما من اللب والفؤاد حيث الشياطين يطوفون على كل مواضع اليقظة تعمية لها ، إلّا (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (١٦ : ٩٩) استعاذة وسواها (١).
(وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ)(٢٠٢).
__________________
(١). تفسير الفخر الرازي ١٦ : ٩٦ وقال جعفر الصادق رضي الله عنه : ...