إنه لا يقتصر (طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ) على مسهم المسيس ، بل (وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ) المس (ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ) أولاء وهؤلاء في مسهم اللعين المتقين ، فاليقظة اليقظة للذين اتقوا تذكرا باستعاذة باستنجازة حتى يبصروا مسيرهم إلى مصيرهم ولا يصطادوا إلى فخ الشيطان.
(وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)(٢٠٣).
(إِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ) يقترحونها أو يرتقبونها كما أوتي رسل الله ، (قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها) كأنه هو المجتبي لآيات الله كما يحب ويرضى (قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي) دون ما أهواه أم تهوونه أنتم ، إنما أتبعه لا سواه ، سواء في وحي الرسالة أم آيتها الخالدة ، فلا أنتظر من ربي آية سواها ، ولن أقترح عليه آية سواها ، بل والاقتراح على ربي في حقل رسالتي تجاوز عن أدب الرسالة إلى حدب الربوبية ، ثم ليست الآيات الربانية إلّا بصائر من ربكم و «هذا» القرآن العظيم (بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) فقد جمع آية القرآن بوحدتها كلّ البصائر الربانية ، حيث تبصّر ما يبصر ببصيرة أم بصر (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) ـ (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ).
أجل إنه «بصائر» تبصر وتبصّر «وهدى» تهدي «ورحمة» تحمل كل الرحمات (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) ف (بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ) تحلّق بصائره على كافة المكلفين ، ولكن البصيرة ليست إلّا الطريقة المثلى ، فليست ـ إذا ـ (هُدىً وَرَحْمَةٌ) إلّا (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) بالبصائر ، دون هؤلاء الحماقى الذين (جَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) (٢٧ : ١٤) : (قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) (٦ : ١٠٤) ـ (هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (٤٥ :) ٢٠) ـ (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) (١٢ :) ١٠٨).
هنا (لَوْ لا اجْتَبَيْتَها) تعجيز إلى سخرية ، وكأنه مدع إمكانية إتيانه بآيات يجتبيها ، و (هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ) ثم الويل كل الويل لهؤلاء الذين يضلون الناس ويعمونهم بتلك البصائر ، تذرعا بالقرآن إلى ضده علميا أو