(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ) (٦ : ٢٥) (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً) (٤٧ : ١٦).
فإنما القصد من (فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) هو افتعال سمع الأذن لصالح التصديق والتطبيق ، فمن سمع الأذن إلى سمع الصدر والقلب واللب والفؤاد ، وإلى سمع الأقوال والأحوال والأفعال كلها ، حتى تصبح بكيانك ككلّ القرآن كلّه ، وكما أمر الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) أن يسمعهم هكذا : (وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً)(٤ : ٦٣).
وهذا هو المعني من السجود للقرآن حيث يندد بتركه المشركون (فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ. وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ) فإنه عناية الخضوع استماعا وقراءة وفي كافة الحقول الأنفسية والآفاقية.
وفي رجعة أخرى إلى الآية نجد المناسبة التامة بين طامة الاستماع والإنصات الواجب للقرآن لمكان (هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ) فكما أن «هذا» يعني القرآن كله ، فإنه بصائر كله ، فلا بد من انفتاح الأبصار لرؤيته ، فالبصر عند قراءته استماعه والإنصات له ، ثم سائر الأبصار لسائر الإبصار حتى تحلّق بصائره على كل الأبصار.
وأما أن هناك القرآن البصائر (رَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) وهو هنا عله رحمة إن استمعوا له وأنصتوا : (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) حيث الرحمة الأولى هي المبدئية للذين به يؤمنون ، ثم الرحمة المترقّبة هي الزائدة قدر المزيد من الاستماع والإنصات له ، فالقول إن الآية تخاطب فقط ـ (الَّذِينَ كَفَرُوا) إنه كفر بها ، لا سيما وأنها في عداد الأوامر المتواترة المتتالية للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) والذين معه! والروايات المتظافرة انها نزلت بشأن الاستماع والإنصات في الصلوات الجهرية.
ومن الأحكام الفقهية المستفادة من الآية بعد وجوب الاستماع والإنصات له بصورة عامة ، أنه لا تجوز القراءة خلف الإمام الجاهر بها حيث تسمعها ، فإن واجب الاستماع والإنصات ليس لمجرد القراءة ،