تحشر النفس «ذكر ربك» فهذا هو موطن الذكر ومأمنه ، ثم (تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ) يحوّله إلى قال وحال أخرى ، قال دون الجهر اللهم إلّا إذا لزم الأمر كجهرية الصلاة ، أو رجح كأن تتذكر به أكثر أو تعلّم من سواك ، وكقراءة القرآن حيث يرجح الجهر بها إسماعا فاستماعا ، فالضابطة الأصيلة فيه هي (دُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ) إذ لا تذكر أصم فتسمعه بجهر من القول ، وعل «اذكر» هنا هو خاص الذكر لخصوص المكلفين ، والقرآن والأذان وما أشبه هي من عامة الذكر الدعائي ، فليقرء القرآن جهارا لا إسرارا كما الأذان فإنه للإعلام ، وهكذا المواعظ والمدائح والخطابات المذكرة وأضرابها.
فلئن كان القصد من الجهر بذكر ربك رئاء الناس أم إسماع الله فمحظور محظور ، وإن كان إسماع الناس ليتذكروا كما أنت ، أم تعليما لهم أم إعلاما فمحبور محبور.
والأصل في ذكر ربك ـ تغاضيا عن ملابسات تفرض أو ترجح الجهرية ـ هو تحريك اللسان دون الجهر من القول مع حركة القلب ، فإذا نبست الشفاة مع الأرواح ، فليكن ذلك في صورة وسيرة لا تخدش الخشوع ولا تناقض الضراعة والبخوع ، بل هو صوت خفيض حفيظ دون صراخ وضجّة ، أو مكاء وتصدية أو غناء وتطرية ، وإنما هو ذكر يناسب «عند ربك» وكما يرضاه دون ما ترضاه وتهواه.
و (بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) علهما زاويتان أصيلتان للأوقات كلها ، فإنهما بداية اليقظة ونهايتها وقد فرضت الصلاة أوّل فرضها فيهما ثم ازدادت في غيرهما ، أم هما عبارتان عن كافة الأوقات.
هذا قاله ، وأما حاله الأخرى بعد «في نفسك» فهي «تضرعا» أمام ربك بضراعة وتذلل وتبتّل «وخيفة» مما قدمت يداك ، ومن نفسك غير اللائقة بذلك الذكر ، وتلك الدعوة أمام ربك (وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ) في أي وقت من أوقاتك ، فليحشرك ذكر ربك قالا وحالا وأعمالا على أية