آيات الله ، متوكلا ـ على أية حال ـ على الله ، مقيما للصلاة ومنفقا مما رزقه الله في الله ، لذلك فعلى الله ألا يكله إلى نفسه وان يرعاه بخاصة رعايته ، وإخراجه من بيته مهما كان بإخراج المشركين تصميما لقتله ، ولكن ـ من ناحية أخرى ـ إخراج من الله إلى الغار حيث أعماهم كيلا يروه ، خلاصا عن قتلهم إياه ، وإلى المدينة حتى بعد عدّته ، ويمضي مدته خلال عشرة كاملة فيرجع إلى بيته عزيزا منتصرا ، ثم إخراجا منه للبدر الكبرى كانتصار أول له بعد الهجرة ، فمهما كان ذلك الإخراج من المشركين بالباطل قضية تصميمهم على قتله ، فقد كان من الله بالحق ، بل إنهم ما أخرجوه في مكرهم اللعين ، بل صمموا على قتله فأخرجه الله تخليصا له عن كيدهم أولا ، وتأسيسا لدولة الإسلام في مهجره أخيرا ، ثم رجوعا إلى العاصمة منتصرا.
فنسبة الإخراج إلى الذين كفروا نسبية فإنه ـ فقط ـ إحراج بتصميم قتله فأخرجه الله ، ثم نسبته إلى الله واقعية حقيقية حيث نجاه به من بأسهم.
فهو ـ إذا ـ إخراج من ربك بالحق ، قضية التربية القمة الخاصة بك ، حيث يريد الله تكميل رسالتك وبلاغ دعوتك ، ولأنها لم تكن لتتم في ذلك الجو المحرج المكي ، فقد أخرجه الله إلى المدينة استتماما لدعوته واستكمالا لبقيته ، وكما أخرجك ربك من بيتك بالحق يوم بدر.
ذلك ، رغم (إِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ) ذلك الإخراج ، بقصر النظر إلى ظاهر الإحراج وحاضره الوبيء ، دون نظرة إلى صالح الحاضر فرارا عن بأسهم ، وصالح المستقبل استرجاعا للعاصمة بكل قوة.
فحين يرى الداعية أن جو الدعوة الحاضر صعب صلب صلت ، وقد يقضى على دعوته فيه أو يصد عنها ، فصالح الدعوة أن يتنقل بحياته وحياة الدعوة إلى جو آخر يستكمل فيه عدته وعدته لردح صالح من الزمن ، ثم إذا رأى كفاحا صارما في بنيته بأنصاره يرجع إلى عاصمة الدعوة قويا صارما منتصرا وكما فعله الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) بما أخرجه الله من بيته بالحق.