ذلك إخراج بالحق هجرة ، ثم إخراجات أخرى كما أخرجك ربّك من المدينة لحرب بدر (وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ) كراهة لمعركة دموية خطيرة ، حيث يرون عدم المكافحة في عدة ولا عدة ، فإنهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا والمشركون ألف أو يزيدون ، وكما كانوا كارهين اختصاص الأنفال بالله والرسول ، فبين الكراهتين تشابه موردهما في الحق لصالحهم أنفسهم.
ف (كَما أَخْرَجَكَ) في التأويل الأول ، هي كما أخرجناه ، وفي الثاني قد يعني : أن الله خصك بعد نفسه تعالى بالأنفال ، كما خصّك أن (أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ). فلو لا أن الله أخرجه يوم بدر لم يحصل ذلك الفتح المبين ، جبرا لكسر إخراجه من العاصمة بعد ثمانية عشر شهرا من مهجره.
(يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ)(٦).
هؤلاء الكثيرة الكارهة لخروجك عن العاصمة عند الهجرة ، وخروجك عن المدينة إلى بدر (يُجادِلُونَكَ فِي) ذلك (الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ) لهم بما أخرجك ربك وحيا فارضا (كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ) حيث يرونهم قلة وأعداءهم كثرة كثيرة (وَهُمْ يَنْظُرُونَ) إلى مضاجعهم في هذه الحرب الحرجة الخطيرة المرجة (١).
__________________
(١) روي الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره باسناده عن ابن أيوب الأنصاري قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ونحن بالمدينة : إني أخبرت عن عير أبي سفيان بأنها مقبلة فهل لكم أن نخرج قبل هذه العير لعل الله أن يغنمناها؟ فقلنا : نعم فخرج وخرجنا فلما سرنا يوما أو يومين قال لنا : ما ترون في قتال القوم؟ إنهم قد أخبروا بخروجكم؟ فقلنا : لا والله ما لنا طاقة بقتال العدو ، ولكنا أردنا العير ، ثم قال : ما ترون في قتال القوم؟ فقلنا مثل ذلك ، فقال المقداد بن عمرو : إذن لا نقول لك يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) كما قال قوم موسى لموسى : (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) فتمنينا معشر الأنصار أن لو قلنا كما قال المقداد بن عمر أحب إلينا من أن يكون لنا مال عظيم ، قال : فأنزل الله على رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلم) (كَما أَخْرَجَكَ).