مثقلة بأموال ضخمة ، ونفير من مكة مثقلة بعتاد للحرب ضخمة يريدون حرب الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) وقد وعد الله المؤمنين إحدى الطائفتين «أنها تكون لكم» تغلّبا على العير أم على النفير ، والنفير هي بطبيعة الحال ذات الشوكة الحربية القوية عدة وعدة ، والمسلمون ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا في قلة من عدة وعدة ، فأنتم (تَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ) خوفا عن الشائكة ، واغتناما للغنيمة دونما حرب ، ولكن (يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ) بهزيمتهم العظيمة رغم كثرتهم الكثيرة في عدة وعدة.
(لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ)(٨).
وحيث لا يضمن التغلب على العير إحقاق الحق وإبطال الباطل إلا تغلبا اقتصاديا ، ولكن التغلب على النفير يضمن كل تغلب للحق على الباطل ، لذلك أراد الله أن تكون لهم الطائفة ذات الشوكة ، تحقيقا للحق وقطعا لدابر الكفر ، تضعيفا لساعده ومساعده لردح بعيد من الزمن.
وهكذا حاك في نفوس كثير من المؤمنين كراهة القتال حتى ليقول الله عنهم : (يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ) رغم تبين الحق وأن الله وعدهم إحدى الطائفتين ، مقدرا لهم إحداهما كما يريد لا كما يريدون.
فقد قدر الله لهم إحدى الطائفتين أولا على سبيل الإجمال كائنة ما كانت عيرا أو نفيرا ، القوية ذات الشوكة والشائكة ، أو الأخرى غير ذات الشوكة ، وهم يريدون حاضر العير دون تعب ، والله يريد حاذر النفير بتعب
__________________
ـ وآله وسلم) «ونحن نتمارى في شيء من أمر الدين فغضب غضبا شديدا لم يغضب مثله ثم قال : إنما هلك من كان قبلكم بهذا ، ذروا المراء فإن المؤمن لا يمارى ، ذروا المراء فإن المماري قد تمت خسارته ، ذروا المراء فإن المماري لا أشفع له يوم القيامة ، ذروا المراء فأنا زعيم بثلاثة أبيات في الجنة : في رياضها وأوسطها وأعلاها لمن ترك المراء وهو صادق ، ذروا المراء فإن أول ما نهاني عنه ربي بعد عبادة الأوثان المراء» (العوالم ٢ ـ ٣ : ٤٣٢).