وليحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ، بضمان رباني «انها تكون لكم» مهما كان في أمر مواجهتهم من إمر (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) فأين ما أراده الله لهم مما أرادوه ، فلقد كانت تمضي ـ لو كانت لهم غير ذات الشوكة ـ قصة غنيمة فحسب ، فأما قصة بدر فقد مضت في التاريخ كله قصة عقيدة صامدة للمؤمنين ، وعقدة كافرة عاندة للكافرين ، قصة انتصار القلوب حين تتصل بالله انفصالا عما سوى الله وتخلصا من ضعفها الذاتي ، فقد خاضت المعركة بنصر الله وكفة الكفر راجحة في الظاهر ، فقلبت كفة الإيمان بيقينها ميزان الظاهر فغلبت عليها ذلك الغلب الباهر.
ولقد حقق الله وعده في أنها تكون لكم : (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ) (٣ : ١٢) و ١٢٧).
ذلك ، وهنا تفاصيل هامة عن وقعة بدر الكبرى امتنانا على الرسول وعلى المؤمنين وليأخذوا درسا عن روحية التكتيك في قتال أعداد الله على مدار الجبهات الإسلامية السامية دونما استثناء.
لقد نسمع الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) في غائلة بدر يقول : «اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض» فما زال يهتف ربه مادا يديه حتى سقط رداءه من منكبه فأنزل الله (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ)(١) ويقول : «اللهم إنهم حفاة فاحملهم ، اللهم انهم عراة فاكسهم ، اللهم إنهم جياع فأشبعهم» (٢).
__________________
(١) البحار ١٩ : ٢٢١ قال ابن عباس : لما كان يوم بدر واصطف القوم للقتال قال أبو جهل : اللهم أولانا بالنصر فانصره ، واستغاث المسلمون فنزلت الملائكة ونزل قوله : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ) وقيل : إن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) لما نظر إلى كثرة عدد المشركين وقلة عدد المسلمين استقبل القبلة وقال : اللهم ..
(٢) المغازي للواقدي ١ : ٢٦ والسنن الكبرى للبيهقي عن عبد الله بن عمر أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) دعا بهذا الدعاء رافعا يديه إلى السماء حين خرج بعدة البدر من المؤنثة.