حياة الموتى قرنا لفعله (عليه السلام) غير الفاعل تلك الفعلة الربانية ، كذلك أنت يا قائد القوات (ما رَمَيْتَ) رمية الغلبة هذه الخارقة للعادة (وَلكِنَّ اللهَ رَمى) إياها ، إيصالا لكف من التراب إلى ألفي عين ، وإيغالا لأصحابها فيما أوغل ، وكأن ذلك التراب غازات كيماوية تعمي العيون ثم وترعب القلوب.
ذلك ، إلى سائر رميات الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) التكتيكية في بدر الكبرى ، فقد انحصرت رمياته في مظاهر ثلاثة : رمية القتل ، ورمية الحصى ، وسائر الرمية الحربية بتكتيكاتها ، ولكن الفاعلية الواقعية في هذه الرميات لم تكن إلّا من الله ما لولاه لم يحصل ما حصل لصالح المؤمنين.
ذلك ، والرمية الأصلية هي رمية التراب حيث قال (صلّى الله عليه وآله وسلم): أمام معسكر العدو : اللهم إنك أمرتني بالقتال ، ووعدتني النصر ولا خلف لوعدك ، وأخذ قبضة من حصى فرمى بها في وجوههم فانهزموا بإذن الله فذلك قوله : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى)(١) ـ «فما بقي أحد من القوم إلا امتلأت عيناه من الحصباء» (٢) ، وأما
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ١٧٤ ـ أخرج ابن عساكر عن مكحول قال : لما كرّ عليّ وحمزة على شيبة بن ربيعة غضب المشركون وقالوا اثنان بواحد فاشتعل القتال فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): وفيه عن حكيم بن حزام قال : لما كان يوم بدر سمعنا صوتا وقع من السماء إلى الأرض كأنه صوت حصاة وقعت في طست ورمى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) بتلك الحصباء وقال : شاهت الوجوه فانهزموا فذلك قوله تعالى (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ).
(٢) المصدر أخرج الطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) ناولني قبضة من حصباء فناوله فرمى بها في وجوه القوم فنزلت هذه الآية ، وأخرجه مثله الحمويني بسنده المتصل عن ابن عباس عنه (صلّى الله عليه وآله وسلم) (ملحقات إحقاق الحق ٣ : ٥٤٥).