«وما قتلتموهم» فلأنهم استغلوا عميان العيون بهذه الرمية فاغتالوهم (١).
ذلك ، فحقا (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) حيث العدد والعدد للمشركين كانا أضعاف ما للمسلمين ، فالعدد ثلاثة أضعاف ، والخيل مأتا ضعف ، والسيوف خمسمائة ضعف ، والحالة السابقة للمشركين غلبهم عليهم حيث أخرجوهم قبل أشهر من العاصمة ، ولم يكن من المسلمين إلّا رمية الحصباء من النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) بدعاء النصر ، فشملهم المؤمنون قتلا وحصرا وأسرا فبطلت مكيدتهم ، وسكنت أجراسهم ، وخمدت أنفاسهم ، فهم بين قتيل وجريح وأسير وحصير وفرير! : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ) في بدر ، فلما ذا ـ إذا ـ تولي الأدبار! (٢).
ذلك ، جبرا لكسرهم في هجرتهم الهاجرة ، وإعلاء لكلمة الحق إحقاقا لها وإخفاقا للباطل (وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً) تأكيدا لهم أن سيروا وعين الله يرعاكم (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) مقالهم ومقال أعدائهم «عليم» بحالهم وحال أعداءهم وما هو الصالح في ذلك المسرح الوطيد.
__________________
(١) المصدر أخرج ابن جرير عن محمد بن قيس ومحمد بن كعب القرظي قالا : لما دنى القوم بعضهم من بعض أخذ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قبضة من تراب فرمى بها في وجوه القوم وقال : شاهت الوجوه فدخلت في أعينهم كلهم وأقبل أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) يقتلونهم وكانت هزيمتهم في رمية رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فأنزل الله (وَما رَمَيْتَ).
(٢) في تفسير الفخر الرازي ١٥ : ١٣٦ قال مجاهد : اختلفوا في بدر فقال هذا أنا قتلت وقال الآخر أنا قتلت فأنزل الله هذه الآية ، وروى أنه لما طلعت قريش قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) هذه قريش قد جاء بخيلائها وفخرها يكذبون رسولك : اللهم إني اسألك ما وعدتني ، فنزل جبرئيل وقال : خذ قبضة من تراب فارمهم بها فلما التقى الجمعان قال لعلي (عليه السلام) أعطني قبضة من التراب من حصباء الوادي فرمى بها في وجوههم وقال : شاهت الوجوه فلم يبق مشرك إلا شغل بعينه فانهزموا.