على مدار الدعوات الربانية بالقرآن والسنة ، فانها تحييكم مهما اختلفت درجات إحياءها حسب درجات أحياءها وموادها ، وقد شهد بحق هذه الحياة الرسولية والرسالية المحمدية من غير المسلمين كثير (١).
__________________
(١) يقول الشاعر الفرنسي (لامارتين) ١٧٩٠ ـ ١٨٦٩ وهو من مشاهير الشعراء الفرنسيين وزعيم الحركة الرومنطيقية ـ يقول بحق هذا النبي العظيم :
«إن حياة مثل حياة محمد وقوة كقوة تأمله وتفكيره وجهاده ووثبته على خرافات أمته وجاهلية شعبه وشدة بأسه في لقاء ما لقيه من عبدة الأوثان ، وإيمانه بالظفر ، وإعلاء كلمته ، ورباطة جأشه لتثبيت أركان العقيدة الإسلامية ، إن كل ذلك أدلة على أنه لم يكن يضمر خداعا أو يعيش على باطل ـ
فهو فيلسوف ، وخطيب ، ورسول ، ومشرع ، وهادي الإنسان ، إلى العقل ، وناشر العقائد المعقولة الموافقة للذهن واللب ، ومؤسس دين لا فرية فيه ، ولا صور ، ولا رقيات ، ومنشئ عشرين دولة في الأرض ، وفاتح دولة روحية في السماء وتمتلئ بها الأفئدة ـ فأي رجل أدرك من العظمة الإنسانية مثل ما أدرك ، وأي إنسان بلغ من مراتب الكمال مثل ما بلغ» (أخرجه المهندس زكريا هاشم زكريا : المستشرقون والإسلام ص ٢٧٢ ـ أنظر كتاب أحمد السيد (محمد نبي الإنسانية) دار الشروق ص ٧٦.
ويقول ويل ديورانت ـ المؤلف الأمريكي ، صاحب قصة الحضارة ـ : وإذا حكمنا للعظمة بما كان للعظيم من أثر في الناس قلنا إن محمدا كان من أعظم عظماء التاريخ ، فقد أخذ على نفسه أن يرفع المستوى الروحي والأخلاقي لشعب ألقت به دياجير الهمجية حرارة الجو وجذب الصحراء ، وقد نجح في تحقيق هذا الفرض نجاحا لم يدانه فيه أي مصلح آخر في التاريخ كله ، وقل أن نجد إنسانا غيره حقق كل ما كان يحلم به ، واستطاع في جيل واحد أن ينشئ دولة عظيمة ، وأن يبقى إلى يومنا هذا قوة ذات خطر عظيم في نصف العالم. (قصة الحضارة ـ ترجمة محمد بدران ـ الجزء الثاني المجلد الرابع ص ٦).
وفي دائرة المعارف البريطانية تحت مادة «محمد» : محمد بن عبد الله مؤسس الدين الإسلامي ـ ولد في مكة عام ٥٧٠ ميلادية ومات عام ٦٣٢ ، وقليلون هم الرجال الذين أحدثوا في البشرية الأثر العميق الدائم الذي أحدثه محمد ، لقد أحدث أثرا دينيا عميقا لا يزال منذ دعا إليه حتى الآن هو الإيمان الحي ، والشريعة المتبعة لأكبر من سبع سكان العالم. على أن أثره التاريخي يبدو بالأكثر عند ما نذكر أنه في أقل من عشرين سنة منذ بدأ دعوته قوّض دعائم إمبراطوريتين عقيدتين وهما الإمبراطورية البيزنطية والامبراطورية الفارسية ، مؤسسا على أنقاضها حضارة جديدة ـ
ولقد أرسى منذ جاء بدعوته ـ التي هي عقيدة وشريعة ـ قواعد بناء المجتمع الاجتماعية ـ