ثم (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) حيلولة صالحة لمن يستحقها بتلك الاستجابة الإيمانية ، وطالحة جزاء وفاقا للذين زاغوا فأزاغ الله قلوبهم وعلى حد المروي عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم): «يحول بين المؤمن والكفر ويحول بين الكافر والهدى» (١) فلو أن قلب المؤمن حاول التقلب إلى الردى حال بينه وبينها ، ويعاكس أمر الكافر إلى الردى.
ذلك ، ومما يحييكم ، الداخل في دعوة الله والرسول ، ولاية
__________________
ـ والسياسية ، وقد أعقب موته أن سجل خلفاءه الأحاديث التي رويت عنه ، وأدق التصرفات والأفعال التي قام بها ، فاتخذ المؤمنون من هذه الأحاديث نبراسا ومثلا أعلى يحتذونه في حياتهم اليومية جيلا بعد جيل (أحمد السيد : محمد نبي الإنسانية ـ دار الشروق ص ٧٢).
وجاء في كتاب (مختصر تاريخ الإنسانية) لمؤلفه ه. ج. ويلز : كان يمكن لأي متنبئ تاريخي يستعرض حياة بشر في مستهل القرن السابع الميلادي ، أن يتوقع بحق أنه لن تمضي بضعة قرون حتى تقع كل أوروبا وآسيا تحت سيادة المغول والتتار ، فلم يكن في أوروبا الغربية أي إشارة تدل على إمكان قيام النظام فضلا عن الوحدة ، والامبراطوريتان البيزنطية والفارسية كانتا في طريقهما نحو الانحلال والدمار ـ
ولكن هذا المتنبي كان سيخطئ في تقديره ، فقد اشتعلت دنيا الصحراء والبدو بمائة عام من المجد عند ما بسط العرب سلطانهم ومدوا حكمهم ولغتهم من اسبانيا إلى حدود الصين ، مقدمين للعالم ثقافة جديدة ، ومنشئين دينا لا يزال حتى اليوم أحد القوى الحيوية في العالم ـ
وكان محمد بن عبد الله هو الذي أشعل الجزيرة العربية ودفعها لتحقيق ذلك كله ، والذي ظل حتى سن الأربعين لا يميز نفسه بشيء غير عادي عن بقية معاصريه ، (أخرجه أحمد السيد في : محمد نبي الإنسانية ، المصدر نفسه ص ٧٣).
(١) الدر المنثور ٣ : ١٧٦ ـ أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : سألت النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) عن هذه الآية (يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) قال : ، وفيه عن ابن عباس في الآية قال : يحول بين المؤمن وبين معصيته التي يستوجب بها الهلكة فلا بد لابن آدم أن يصيب دون ذلك ولا يدخل على قلبه الموبقات التي يستوجب بها دار الفاسقين ويحول بين الكافر وطاعته فلا يصيب من طاعته ما يستوجب ما يصيب أولياءه من الخير شيئا وكان ذلك في العلم السابق الذي ينتهي إليه أمر الله تعالى وتستقر عنده أعمال العباد.