تراب ، راميا إلى وجوههم بقوله : شاهت الوجوه ، كما فعله في بدر الكبرى ، متوجها إلى غار ثور ، وحفاظا عليه ، قطعا لاحتمال كونه فيه رغم ظاهر الأثر من أقدامه المباركة تؤمر العنكبوت أن يسدل ستارا ضخما على باب الغار ما يخيّل إلى الناظر أنه شغل سنين! وهكذا (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها)(٩ : ٤٠).
في ذلك المسرح المنقطع النظير ـ إلا ما كان بحق المسيح (عليه السلام) ـ نرى للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) صاحبين بين أصحابه ، صاحب ينام على فراشه مضحيا بنفسه نفس الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) بما اختاره (صلّى الله عليه وآله وسلم) لتلك التضحية وهو الإمام علي أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد نزلت بشأنه آية الشراء : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) (٢ :) ٢٠٧) بصورة مستقلة.
وصاحب يصاحبه في الغار حالة الفرار من مكر الكفار ، ولا تنزل بشأنه إلا (إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) (٩ : ٤٠).
فلقد بات علي (عليه السلام) على فراش الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) والخطر هاجم ، وصاحبه أبو بكر إلى الغار والخطر ناجم ، ثم نجد عليا (عليه السلام) مقدما بكل بدّ لتلك التضحية دونما تخوف ، ولا نجد صاحبه في الغار إلّا متخوفا ومعه الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) وقد يأتي نبأ الموقفين حين نأتي على تفسير آية الغار.