هنا الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) وعلي (عليه السلام) يتعانقان ولا يرضي عليا (عليه السلام) إلّا أن تسلم نفس الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) بهذه التضحية ، وقد يروي عنه نظم في ذلك النظم :
وقيت بنفسي خير من وطئ الحصا |
|
ومن طاف بالبيت العتيق والحجر |
محمد لما خاف أن يمكروا به |
|
فوقّاه ربي ذو الجلال من المكر |
وبت أراعيهم متى ينشرونني |
|
وقد وطّنت نفسي على القتل والأسر |
وبات رسول الله في الغار آمنا |
|
هناك وفي حفظ الإله وفي ستر |
أقام ثلاثا ثم زمّت قائص |
|
قلايص يفرين الحصا أينما تفرى (١) |
ولقد ذاق الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) والذين معه في أخريات سنيّه بمكة أشد ألوان الأذى بحجر أبي طالب سنين أربع ، ولما صمموا على قتله بدار الندوة بدأت الهجرة المباركة مزودة بتسليات لخاطره القريح وقلبه الجريح منذ دخوله الغار (إِنَّ اللهَ مَعَنا) ومن ثم (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ) (٤٧ :) ١٣) ـ
ثم له وللذين هاجروا معه : (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ. الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (١٧ : ٤٢).
ولكيلا يحزن على ذلك الهجران في هجرته الهاجرة (يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) (٢٩ : ٥٦) (وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً) (٧٣ : ١٠).
لقد اجتمعت قريش في دار الندوة مرتين بين اجتماعاتهم اللعينة ، هما ألعنها ، مرة للمعاهدة على حصره (صلّى الله عليه وآله وسلم)
__________________
(١) قال عبيد الله بن أبي رافع وقد قال علي (عليه السلام) يذكر مبيته على الفراش ومقام رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) في الغار ثلاثا وفي الدر المنثور بتفاوت يسير عن الحاكم عن علي بن الحسين عنه (عليهم السلام).