ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(٦٣)
(وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (٥٠) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)(٥١).
هنا ملائكة العذاب يتوفون الذين كفروا ، وهناك ملائكة الرحمة يتوفون الذين آمنوا : (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (١٦ : ٣٢).
ثم وملائكة العذاب والرحمة يرأسهم كلهم ملك الموت (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) (٣٢ : ١١) ومن فوقهم كلهم هو الله ، ف (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) (٣٩ : ٤٢).
(فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ. ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ) (٤٧ : ٢٨).
وهنا ضرب الوجوه استقبال لهم بذوق من عذاب البرزخ ، وضرب أدبارهم استدبار بآخر منه ، فهم بين الدنيا والبرزخ يدفعون إلى الموت بضرب الأدبار ، ويستقبلون فيه بضرب الوجوه ، فإنهم أدبروا عن الحياة الأخرى واتجهوا ـ فقط ـ إلى الحياة الدنيا ، فيقال لهم بعد الضربتين : (وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) مما يدل ـ كما في عشرات من الآيات ـ على الحياة البرزخية ، إذ لا مجال ـ إذا ـ ل «ذوقوا» إلّا إذا كان عذاب الحريق حاضرا ، و «ذلك» الثالوث من عذاب الوجوه والأدبار وعذاب الحريق (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) من مستحق العذاب (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ).
وهنا «الذين كفروا» كمصداق حاضر ، هم المشركون في بدر حيث ضربتهم الملائكة فتوفتهم ، وقد يروى أن رجلا قال للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) : إني حملت على رجل من المشركين فذهبت لأضرب فندر ـ سقط ـ رأسه ، فقال (صلّى الله عليه وآله وسلم) : سبقك إليه الملائكة (١).
__________________
(١) نور الثقلين ٢ : ١٦٢ عن مجمع البيان روى مجاهد أن رجلا.