ولماذا (لَيْسَ بِظَلَّامٍ) وهو ليس ظالما أبدا؟ علّه لكي يستأصل خرافة الجبر ، أم وزيادة العذاب على المستحق فإنه ظلّامية في التعذيب ، ولأنه (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) فليس بظالم كما ليس بظلام للعبيد.
وترى «لو ترى» تمنيا لرؤيته (صلّى الله عليه وآله وسلم) ذلك المرئى ، أليس يجعل الله متمنيا والرسول غائبا عن ذلك المرئى؟ إن غياب الرسول عن ذلك المرئى كسائر الغيّب ليس عليه عيبا حيث الضابطة له (وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) اللهم إلا ما يظهره عليه ربه ، ثم «لو ترى» من الله بيان لموقف التمني ، أنه مكانه ومجاله أن يرى الرسول إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة دون واقعه من الله.
وهكذا يكون دور الذين كفروا في مصيرهم لمسيرهم بما قدمت أيديهم ، فهم كما يصفهم :
(كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ)(٥٢).
دأبان اثنان : دأبهم أنفسهم في الكفر فإضافة إلى الفاعل ، ودأب الله في جزاءهم الوفاق فإضافة إلى المفعول.
الدأب هو العادة المتعود عليها والسنة السائرة ، وهنا (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) دأب الذين كفروا ككل في أخذهم بذنوبهم ، (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) وهم فرعون وأتباعه (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من فراعنة التاريخ ونماردته (كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ) آفاقية وأنفسية ، تكوينية وتشريعية (فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ) هنا وفي الأخرى ، برزخا وأخرى (إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ) في موضع النكال والنقمة كما هو أرحم الراحمين في موضع العفو والرحمة.
ومن إمام المتقين علي أمير المؤمنين (عليه السلام):
«سبحانك خالقا ومعبودا بحسن بلاءك عند خلقك ، خلقت دارا ، وجعلت فيها مأدبة : مشربا ومطعما وأزواجا وخدما وقصورا وأنهارا وزروعا وثمارا ـ
ثم أرسلت داعيا يدعوا إليها ، فلا الداعي أجابوا ، ولا فيما رغّبت إليه رغبوا ، ولا إلى ما شوّقت إليه اشتاقوا ـ