فلما غيرنا ما بأنفسنا وجاه القرآن فنبذناه وراءنا ظهريا ، سلب عنا التوفيق في دراسته وحراسته فأصبحنا عنه بعيدين بعد الأرض من السماء ، لحد خيل إلينا وإلى حوزاتنا بزعمائها وعلماءها أن ليس القرآن كتاب دراسة وتعلم ، فقد زين لنا الشيطان أحوالنا وأعمالنا لحد حسبنا كل دراسة حوزية هي صالحة لتبني الحوزات الإسلامية وإصلاح المسلمين إلا دراسة القرآن.
فلا وخزة أخرى ولا أخذة أقضى من رفع القرآن من بيننا ونحن أمة القرآن ، لذلك لا نجد نعمة المعرفة والإيمان بيننا الأقلة قليلة لتلك القلة العليلة أمام القرآن حيث اتخذناه مهجورا بكل مواضعه ومواضيعه اللهم إلا قراءة بأجرة ودونها على الأموات أم استخارة أم تيمنا وتبركا في الأعراس والبيوت.
وقد تناسب هذه الآية القاصعة قصعة من الخطبة القاصعة تبينا أمينا لقصص من الأمم الماضية :
«واحذروا ما نزل بالأمم قبلكم من المثلاث بسوء الأفعال وذميم الأعمال ، فتذكروا في الخير والشر أحوالهم ، واحذروا أن تكونوا أمثالهم ، فإذا تفكرتم في تفاوت حاليهم فالزموا كل أمر لزمت العزة به شأنهم ، وراحت الأعداد له عنهم ، ومدّت العافية فيه عليهم ، وانقادت النعمة له معهم ، ووصلت الكرامة حبلهم ، من الاجتناب للفرقة ، واللزوم للألفة ، والتحاضّ عليها ، والتواصي بها ، واجتنبوا كل أمر كسر فقرتهم ، وأوهن منّتهم ، من تضاغن القلوب ، وتشاحن الصدور ، وتدابر النفوس ، وتخاذل الأيدي ـ
وتدبروا أحوال الماضين من المؤمنين قبلك كيف كانوا في حال التمحيص والبلاء ، ألم يكونوا أثقل الخلائق أعباء ، وأجهد العباد بلاء ، وأضيق أهل الدنيا حالا ، اتخذتهم الفراعنة عبيدا فساموهم سوء العذاب ، وجرّعوهم المرار ، فلم تبرح الحال بهم في ذل الهلكة ، وقهر الغلبة ، لا يجدون حيلة في امتناع ، ولا سبيلا إلى دفاع ، حتى إذا رأى الله سبحانه جدّ الصبر منهم على الأذى في محبته ، والاحتمال للمكروه من خوفه ، جعل لهم من مضايق البلاء فرجا ، فأبدلهم العز مكان الذل ، والأمن مكان الخوف ، فصاروا ملوكا حكاما ، وأئمة أعلاما ، وقد بلغت الكرامة من الله