هذه الأمة فيما عقد بينهم من حبل هذه الألفة التي ينتقلون في ظلها ، ويأوون إلى كنفها ، بنعمة لا يعرف أحد من المخلوقين لها قيمة ، لأنها أرجح من كل ثمن ، وأجل من كل خطرـ
واعلموا أنكم صرتم بعد الهجرة أعرابا ، وبعد الموالاة أحزابا ، ما تتعلقون بالإسلام إلا باسمه ، ولا تعرفون من الإيمان إلا رسمه ، تقولون : النار ولا العار ، كأنكم تريدون أن تكفئوا الإسلام على وجهه ، انتهاكا لحريمه ، ونقضا لميثاقه الذي وضعه الله لكم حرما في أرضه ، وأمنا بين خلقه ، وإنكم إن لجأتم إلى غيره حاربكم أهل الكفر ، ثم لا جبرائيل ولا ميكائيل ولا مهاجرون ولا أنصار ينصرونكم ، إلا المقارعة بالسيف حتى يحكم الله بينكم ـ
وإن عندكم الأمثال من بأس الله وقوارعه ، وأيامه ووقائعه ، فلا تستبطئوا وعيده جهلا بأخذه ، وتهاونا ببطشه ، ويأسا من بأسه ، فإن الله سبحانه لم يلعن القرن الماضي بين أيديكم إلا لتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فلعن الله السفهاء لركوب المعاصي ، والحلماء لترك المناهي ـ
ألا وقد قطعتم قيد الإسلام ، وعطلتم حدوده ، وأمّتم أحكامه».
«وأيم الله ما كان قوم قط في غض نعمة من عيش فزال عنهم إلا بذنوب اجترحوها ، لأن الله ليس بظلام للعبيد ، ولو أن الناس حين تنزل بهم النقم ، وتزول عنهم النعم ، فزعوا إلى ربهم بصدق من نياتهم ، ووله من قلوبهم ، لرد عليهم كل شارد ، وأصلح لهم كل فاسد» (١٧٦) ـ و «إن لله عبادا يختصهم بالنعم لمنافع العباد فيقرها في أيديهم ما بذلوها ، فإذا منعوها نزعها منهم ثم حولها إلى غيرهم» (٤٢٥ ح).
ومن ختام المسك هنا قوله (صلّى الله عليه وآله وسلم) لبعض نساءه : «أحسني جوار نعم الله فإنها قل ما نفرت عن قوم فكادت ترجع إليهم» (١).
__________________
(١) المجازات النبوية للسيد الشريف الرضي (١٣٩).