فلا يعني استبقاء الأسرى بأيدي المسلمين في شرعة الإسلام تسخيرهم استغلالا واستذلالا لهم انتقاما ، وإنما يعني ليلمس قلوبهم مكامن الخير والرجاء والصلاح فالإصلاح ، وليوقظ في فطرهم أجهزة الاستقبال للهدى في مدرسته الداخلية العالية.
وهنا «الأسرى» لا تختص بآسرة القرابة مهما نزلت بشأن بعض منهم (١) ، حيث النص ليس ليختص ببعضه ، إنما هو «الأسرى» الشاملة لكل أسرى الحرب الإسلامية على مدار الزمن الإسلامي إلى يوم الدين.
هنا ، وعلى ضوء الآيتين (٧٠ ـ ٧١) ينقسم الأسرى إلى من يعلم الله فيهم خيرا ومن يريدون الخيانة ، والأسر للأولين خير لهم إذ (يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ) فقد أخذت عنهم الحرية في الكفر وغنائم ، وخير منهما الحرية في الإيمان وأموال تؤتى لهم في حقل الإيمان ، على ضوء التربية المتواصلة في المدارس الداخلية الإسلامية.
ثم الأسر للآخرين صد عن مواصلتهم في محاربة المسلمين (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ) أسرهم (فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ) والإمكان منهم في أسرهم أمكن منه قبل أسرهم.
وهكذا يعامل الإسلام مع الأسرى رعاية لمصلحة الجانبين ، حتى بالنسبة لمن يريدون الخيانة حيث يصد عليهم سبيل الخيانة الجاهرة ، ويمكن منهم حين تظهر منهم الخيانة ، ومن الطبيعي أن الخيانة على هذه الرقابة المحلّقة البيتية ، وعلى ضوء التربية الإسلامية المتواصلة ، هي أقل
__________________
(١) نور الثقلين ٢ : ١٦٨ في قرب الإسناد للحميري عن أبي جعفر عن أبيه (عليهما السلام) قال : أتي النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) بمال فقال للعباس أبسط ردائك وخذ من هذا المال طرفا فبسط ردائه فأخذ منه طائفة ثم قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) : هذا من الذين قال الله تبارك وتعالى (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى.).