القول ـ إذا ـ إن الاستثناء في (إِلَّا عَلى قَوْمٍ) منقطع عن المستثنى منه (اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ) فإذا كان الإستنصار في الدين فالنصرة محتمة على أية حال ، وإذا لم يكن في الدين فلا نصرة فيما يخالف الميثاق.
ذلك ، وليست المهاجرة المأمور بها في القرآن لتختص بزمن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) فإن كل الزمن هي زمن الرسول في تحقيق رسالاته كلها.
أفترى (قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها) (٤ : ٩٧) ردا على (كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ) تختص بالمهاجرة زمن الرسول؟ والآية تندد بكافة المستضعفين المقصرين في ترك المهاجرة بإيمانهم.
فلا يتبلور الإيمان بشروطه وظروفه ومعداته إلا بالحركة المهاجرية ، أن يهاجر المؤمن بإيمانه ، حفاظا عليه ، أم دعوة أوسع مما فيه إليه.
وترى ما هي هذه الولاية المثبتة بالمهاجرة الإيمانية ، المنفية في غير مهاجرة؟ هل هي ولاية المحبة والإيمان (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ (١) وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (٩ : ٧١)! أم ولاية النصرة والأمان؟ (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ)!
إنها بعد ما لم تكن من هاتين ، هي ولاية الوراثة إذ كانت قبل الهجرة بالإيمان ، وبعدها بالهجرة والإيمان ، ومن ثم ثبتت بأولي الأرحام في حقل الإيمان كما فصلناها في آيات الميراث.
فقد اختصت ولاية الميراث هذه بالمهاجرة ترغيبا فيها وترعيبا عن تركها ومن ثم تركزت وثبتت في أولي الأرحام كما هنا وفي آية النساء (١)
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ٢٠٥ ـ أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) آخى بين المسلمين من المهاجرين والأنصار فآخى بين حمزة بن عبد المطلب وبين زيد بن حارثة وبين عمر بن الخطاب ومعاذ بن غراء وبين الزبير بن العوام وعبد الله بن مسعود وبين أبي بكر وطلحة بن عبيد الله وبين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع وقال لسائر أصحابه : تآخوا وهذا أخي يعني علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال : فأقام المسلمون على ذلك حتى نزلت سورة الأنفال وكان مما شدد الله به عقد نبيه (صلّى الله عليه وآله وسلم) قول الله تعالى : إن الذين آمنوا وهاجروا فأحكم الله تعالى بهذه الآيات العقد الذي عقد رسول الله (صلى الله عليه ـ