(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)(٧٤).
فالذين لم يهاجروا من المؤمنين أو لم يأووا وينصروا فما أولئك بالمؤمنين حقا مهما كانوا من المؤمنين ، ثم :
(وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(٧٥)
فالإيمان والمهاجرة والمجاهدة في سبيل الله هي الإيمان حقا من قبل ومن بعد ، ثم (وَأُولُوا الْأَرْحامِ) من هؤلاء المؤمنين حقا (بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) ـ (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً).
فهنا وفي النساء نسخت آية (أُولُوا الْأَرْحامِ) آيات الميراث بالأخوة والمهاجرة الإيمانية ، فقد كان الميراث قبل الهجرة بالأخوة الإيمانية ، ثم بدل بعد الهجرة بالمهاجرة مع الإيمان ، ثم بعد فتح مكة بدل بالأرحام مهما بقيت الأخوة الإيمانية في الوارث على حالها ولكن شرط أن تكون في حقل الأرحام الأقرب فالأقرب إلى الميت (١) وقد يروى عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) قوله : «لا هجرة بعد الفتح» إذ أصبحت مكة المكرمة بعد الفتح دار الإسلام ، ولكن بقيت الهجرة ـ على طول الخط ـ من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام لها أحكامها إلّا ما يستثنى.
وهنا بعد استقرار الوجود الفعلي للإسلام وبعد فتح مكة المكرمة يعود الميراث إلى أولوية أولي الأرحام داخل النطاق الإسلامي العام ، إلغاء شرط المهاجرة إذ لم يبق لها دور أم مضى دوره الهام ، وكذلك شرط المجاهدة في سبيل الله ، حيث يلبي تركيز الميراث على الأرحام جانبا فطريا عريقا عريفا في كل الحقول والعقول ، فما دامت لا تعارض تلبية
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ٢٠٧ ـ أخرج الطيالسي والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال : آخى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) بين أصحابه وورث بعضهم من بعض حتى نزلت هذه الآية (وَأُولُوا الْأَرْحامِ) فتركوا ذلك وتوارثوا بالنسب.