المتجددة الجادة ، ليست لتخرج هذه الشرعة عن قواعدها الأساسية المحدّدة لها ، وعن أهدافها المستمرة الثابتة المرسومة المرسولة فيها ، ومن ثم الضبط التشريعي الدقيق لكل العلاقات في مختلف الحقول بين الكتلة المسلمة وسائر الكتل.
فهذه قواعد أربع لصرح الإسلام ، صارحة صارخة في كافة الميادين ، وثابتة لا تتزعزع.
ذلك ، وفي تقدمة ذلك الأذان البراءة إلى المشركين بعد الفتح وقبل حجة الوداع تعبيد لسبيل طهارة البلد الأمين عن هؤلاء المشركين ، لكيلا يراهم المسلمون يؤدون المناسك الدخيلة الجاهلية مع المناسك الأصيلة الإسلامية ، تخليصا لمناسك الإسلام بأصحابه ، وتقليصا لمناسك الكفر وأصحابه ، وكما يروى عنه (صلّى الله عليه وآله وسلم) قوله : «إنه يحضر البيت مشركون يطوفون عراة فلا أحب أن أحج حتى لا يكون ذلك» (١).
(بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)(١).
هذه «براءة» صارخة أيها المؤمنون «من الله» إخبارا ومن «رسوله» إخبارا إلى إنشاء يعني أنها براءة مفروضة على الرسول ، حاصلة بفرضها عليه قضية العصمة الرسالية ، (إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أم «براءة» مبتدءة موصوفة ب (مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) وخبرها (إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ) وتنوين التنكير تهويل في هذه البراءة «براءة» حيث نقضوا عهودهم وظاهروا عليكم ، فليست البراءة هذه فوضى ومن دون مبرر ، إنما هي لنقضهم فنقصوا إذا من أصل المعاهدة (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)(٢) وقد روي أن النبي (صلى الله عليه
__________________
(١) تفسير في ظلال القرآن ٤ : ١١٨.
(٢) الدر المنثور ٣ : ٢١١ عن الزهري في الآية قال : نزلت في شوال فهي الأربعة أشهر شوال وذو القعدة وذوا الحجة والمحرم.