وليست الحروب الإسلامية ـ على أية حال ـ لتعني تفتّح البلاد ، أو حمل أهليها إكراها على الدين ، إذ (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) هي ضابطة عامة لا تستثنى ، وإنما تعني تفتّح القلوب ، أو الذود عن فتنة المؤمنين بالله أو المستضعفين ، «والفتنة أكبر ـ أشد ـ من القتل» فالفتنة التي هي أشد وأكبر من القتل هي من حقوق الدفاع ، وبأحرى من فتنة القتل.
ومن وصايا الإمام علي (عليه السلام) في سنة الحرب : «لا يحملنكم شنآنهم على قتالهم قبل دعائهم والإعذار إليهم» (الخطبة ٢٥١) و «لا تقاتلوهم حتى يبدءوكم ، فإنكم بحمد الله على حجة ، وترككم إياهم حتى يبدءوكم حجة أخرى لكم عليهم» (٢٥٣) ولقد ضربت أنف هذا الأمر وعينه ، وقلبت ظهره وبطنه ، فلم أر لي فيه إلا القتال أو الكفر بما جاء به محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) ، (٤٣) ـ «فو الله ما دفعت الحرب يوما إلا وأنا أطمع أن تلحق بي طائفة فتهتدي بي ، وتعشو إلى ضوئي ، وذلك أحب إلي من أن أقتلها على ضلالها وإن كانت تبوء بآثامها» (٥٥).
ويقول لابنه الحسن (عليه السلام): «لا تدعون إلى مبارزة ، وإن دعيت إليها فأجب ، فإن الداعي باغ والباغي مصروع» (٢٣٣ ح) (١).
ذلك ، وهنا (فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) مشروط بمثلث التوبة وإقام الصلاة وإيتاء الزكوة ، إذا فهلا نخلّي سبيلهم عن القتال إن تابوا ولم يصلوا أم لم
__________________
(١) ويكتب إلى أهل الأمصار إعذارا لقتال في صفين : «وكان بدء أمرنا أنا التقينا والقوم من أهل الشام ، والظاهر أن ربنا واحد ونبينا واحد ودعوتنا في الإسلام واحدة ، ولا نستزيدهم في الإيمان بالله والتصديق برسوله ولا يستزيدوننا ، الأمر واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان ونحن منه براء ، فقلنا : تعالوا نداو ما لا يدرك اليوم بإطفاء الثائرة وتسكين العامة حتى يشتد الأمر ويستجمع ، فنقوى على وضع الحق مواضعه ، فقالوا : بل نداويه بالمكابرة ، فأبوا حتى جنحت الحروب وركدت ، ووقدت نيرانها وحمست ، فلما ضرستنا وإياهم ووضعت مخالبها فينا وفيهم أجابوا عند ذلك إلى الذي دعوناهم إليه فأجبناهم إلى ما دعوا ، وسارعناهم إلى ما طلبوا ، حتى استبانت عليهم الحجة وانقطعت منهم المعذرة» (٢٩٧).